صلى الله عليه وسلم: دعوها فإنها منتنة، فسمع ذلك عبد الله بن أبيّ فقال: أوقد فعلوها؟ والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقام عمر فقال: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم دعه لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه، زاد الترمذي فقال له ابنه عبد الله بن عبد الله: والله لا تنقلب حتى تقرَّ أنك الذليل ورسول الله العزيز ففعل " (١) وكانت تلك الغزوة في السنة الرابعة، وقيل في السادسة، ثم رد الله سبحانه على قائل تلك المقالة فقال:
(ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) الجملة حالية أي قالوا ما ذكر، والحال أن كل من له نوع بصيرة يعلم أن القوة والغلبة لله وحده، ولمن أفاضها عليه من رسله، وصالحي عباده، وعزة الله قهره وغلبته لأعدائه، وعزة رسوله إظهار دينه على الأديان كلها، وعزة المؤمنين نصر الله إياهم على أعدائهم، عن بعض الصالحات وكانت في هيئة رثة ألست على الإسلام وهو العز الذي لا ذل معه، والغنى الذي لا فقر معه؟ وعن الحسن بن علي أن رجلاً قال له: إن الناس يزعمون أن فيك تيهاً، قال: ليس بتيه ولكنه عزة، وتلا هذه الآية اللهم كما جعلت العزة للمؤمنين على المنافقين، فاجعل العزة للعادلين من عبادك، وأنزل الذلة على الجائرين الظالمين.
(ولكن المنافقين لا يعلمون) بما فيه النفع فيفعلونه، وبما فيه الضر فيجتنبونه، بل هم كالأنعام لفرط جهلهم، ومزيد حيرتهم، والطبع على قلوبهم، ختم هذه الآية بلا يعلمون، وما قبلها بلا يفقهون. لأن الأول متصل بقوله:(ولله خزائن السموات والأرض)، وفي معرفتها غموض يحتاج إلى فطنة وفقه، فناسب نفي الفقه عنهم، والثاني متصل بقوله:(ولله العزة) الخ وفي معرفتها غموض زائد يحتاج إلى علم فناسب نفي العلم عنهم، فالمعنى لا يعلمون أن الله معز أولياءه ومذل أعداءه، قال الكرخي: والحاصل أنه لما أثبت المنافقون لفريقهم إخراج المؤمنين من المدينة أثبت الله