المنفق والحاجة من المنفق عليه بالإجتهاد على مجرى العادة، قال تعالى:(وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف)، ولكن نفقة الزوجة مقدرة عند الشافعي محدودة، فلا اجتهاد للحاكم ولا للمفتي فيها، وتقديرها هو بحسب حال الزوج وحده من عسره ويسره، ولا اعتبار بحالها، فيجب لابنة الخليفة ما يجب لابنة الحارث، فيلزم الزوج الموسر مدان والمتوسط مد ونصف، والمعسر مد لظاهر قوله تعالى:(لينفق ذو سعة من سعته) فجعل الاعتبار بالزوج في العسر واليسر، ولأن الاعتبار بحالها يؤدي إلى الخصومة لأن الزوج يدعي أنها تطلب فوق كفايتها، وهي تزعم أنها تطلب قدر كفايتها فقدرت قطعاً للخصومة انتهى.
والتقدير المذكور مسلم في نفقة الزوجة ونفقة المطلقة، إذا كانت رجعية مطلقاً أو بائناً حاملاً، بخلاف المرضعة، قاله سليمان الجمل. عن أبي سنان قال: سأل عمر بن الخطاب عن أبي عبيدة فقيل: إنه يلبس الغليظ من الثياب، ويأكل أخشن الطعام، فبعث إليه بألف دينار وقال للرسول: انظر ماذا يصنع بها إذا أخذها، فما لبث أن لبس ألين الثياب وأكل أطيب الطعام، فجاء الرسول فأخبره فقال: رحمه الله تأول هذا الآية (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله).
(لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها) أي ما أعطاها من الرزق، فلا يكلف الفقير بأن ينفق ما ليس في وسعه، بل عليه ما يقدر عليه، وتبلغ إليه طاقته مما أعطاه الله من الرزق (سيجعل الله بعد عسر يسراً) أي بعد ضيق وشدة سعة وغنى، وهذا وعد لذي العسر باليسر، وقد صدق الله وعده فيمن كانوا موجودين عند نزول الآية، ففتح عليهم جزيرة العرب، ثم فارس والروم، حتى صاروا أغنى الناس، وصدق الآية دائم غير أنه في الصحابة أتم لأن إيمانهم أقوى من غيرهم ولما ذكر سبحانه ما تقدم من الأحكام حذر من مخالفتها وذكر عتو قوم خالفوا أوامره فحل بهم عذابه فقال: