وقيل إن الجواب وعصيتم والواو مقحمة، وقد جوز الأخفش مثله في قوله تعالى (حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم)، وقيل حتى بمعنى إلى وحينئذ لا جواب لها، وإذا هذه على بابها، والتنازع المذكور هو ما وقع من الرماة حين قال بعضهم نلحق الغنائم، وقال بعضهم نثبت في مكاننا كما أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ومعنى (من بعد ما أراكم) ما وقع لهم من النصر في الابتداء في يوم أحد كما تقدم، قال ابن عباس: من بعد ما أراكم يعني الغنائم وهزيمة القوم، قال عروة: كان الله وعدهم على الصبر والتقوى أن يمدهم بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين، وكان قد فعل، فلما عصوا أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتركوا مصافّهم وتركت الرماة عهد الرسول إليهم أن لا يبرحوا منازلهم، وأرادوا الدنيا، رفع عنهم مدد الملائكة، وقصة أحد مستوفاة في كتب السير والتواريخ فلا حاجة لإطالة الشرح هنا.
(ما تحبون) من النصر والظفر يا معشر المسلمين (منكم من يريد الدنيا) يعني الغنيمة فترك المركز لها (ومنكم من يريد الآخرة) أي الأجر بالبقاء في مركزه امتثالاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فثبت به حتى قتل كعبد الله بن جبير وأصحابه.
(ثم صرفكم عنهم) أي ردكم عن المشركين بالهزيمة بعد أن استوليتم عليهم (ليبتليكم) أي ليمتحنكم فيظهر المخلص من غيره، وقيل لينزل عليكم البلاء لتتوبوا إليه وتستغفروه، والأول أولى.
(ولقد عفا عنكم) ما ارتكبتموه تفضلاً لما علم من ندمكم فلم يستأصلكم بعد المعصية والمخالفة، والخطاب لجميع المنهزمين وقيل للرماة فقط (والله ذو فضل على المؤمنين) بالعفو، وفي الآية دليل على أن صاحب الكبيرة مؤمن.