ومعنى الآية عند الجمهور أنهم أحياء حياة محققة، ثم اختلفوا فمنهم من يقول إنها ترد إليهم أرواحهم في قبورهم فيتنعمون. وقال مجاهد: يرزقون من ثمر الجنة أي يجدون ريحها وليسوا فيها.
وذهب من عدا الجمهور إلى أنها حياة مجازية، والمعنى أنهم في حكم الله مستحقون للنعم في الجنة، والصحيح الأول ولا موجب للمصير إلى المجاز.
وقد وردت السنة المطهرة بأن أرواحهم في أجواف طيور خضر، وأنهم في الجنة يرزقون ويأكلون ويتمتعون، فالطيور للأرواح كالهوادج للجالسين فيها، وبهذا قد استدل من قال أن الحياة للروح فقط، وقيل إن الحياة للروح والجسد معاً، واستدل له بقوله (عند ربهم يرزقون) الخ.
وعلى الأول وجه امتيازهم من غيرهم أن أرواحهم تدخل الجنة من وقت خروجها من أجسادهم، وأرواح بقية المؤمنين لا تدخل إلا مع أجسادها يوم القيامة، والامتياز على الثاني ظاهر.
وقال ابن عباس نزلت هذه الآية في حمزة وأصحابه، وعن أبي الضحى أنها نزلت في قتلى أحد وحمزة منهم.
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم وحسن مقيلهم قالوا يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله لنا، وفي لفظ قالوا من يبلغ إخواننا أنا أحياء في الجنة لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عن الحرب، فقال الله أنا أبلغهم عنكم فأنزل هذه الآيات (ولا تحسبن الذين قتلوا) الآية وما بعدها (١).