تدرك كنهه طباع العالم الأكبر والأصغر، بحيث لو اجتمعت الإنس والجن على معارضته ومباراته، لعجزوا عن الاتيان بمثل أقصر آية من آياته فالاعتراف بالعجز عن القيام بما يستحقه كلام الملك العلام، من الإطراء والاكرام، أوفق بما يقتضيه الحال من الإجلال والإعظام.
والصلاة والسلام على من أرسله الله إلى الخلق هادياً وبشيراً، ونزل عليه الفرقان ليكون للعالمين نذيراً، فهداهم به إلى الحق وهم في ضلال مبين، وسلك بهم مسلك الهداية حتى أتاهم اليقين، أكمل به بنيان النبوة والجلالة، وختم به ديوان الوحي والرسالة، وأتم به مكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال، على ألطف أسلوب وأحسن أحوال، أعلى به من الدين معالمه، ومن الحق مراسمه، وبيّن من البرهان سبيله، ومن الإيمان دليله، وأقام للحق حجته، وأنار للشرع محجته، حتى انشرحت الأفئدة بأنوار البينات، وانزاح عن الضمائر صدأ الشبهات فهو حجة نيرة واضحة المكنون، وآية بينة لقوم يعقلون، بل برهان جلي لا ريب فيه، ومنهج سوي لا يضل من ينتحيه، مظهر لتفاصيل الشرائع والأديان بالاستحقاق، مفسر لمشكلات آيات الأنفس والآفاق، كاشف عن خفايا حظائر القدس، مطلع على خبايا سرائر الأنس، بحر علم لا ينزف، وعيلم فضل لا ينشف، به يتوصل إلى سعادة الدنيا والآخرة، وبه تكتسب الملكات الفاخرة، كلامه شفاء للسقام، ومرهم للأوهام، وحديثه قاطع للخصام، عند تفاوت الأفهام وتباين الأقدام، عليه يدور فلك الأوامر والنواهي، وإليه يستند في معرفة حقائق الأشياء كما هي، أفلح من اتبعه ووالاه، وخاب من أعرض عنه وعاداه.
وصلى الله وسلم على آله البررة، وصحبه الخيرة، مصابيح الأمم، ومفاتيح الكرم، خلفاء الدين، وحلفاء اليقين، الذين بلغوا من محاسن الفضائل غاية الغايات، ووصلوا من مكارم الفواضل نهاية النهايات، قارعوا على الإسلام فكشفوا عنه القوارع والكروب، وسارعوا إلى الإيمان فصرفوا عنه العوادي والخطوب، فابتسم ثغر الدين، وانتظم أمر المسلمين، واتضح الوعد من الله وحق عليه نصر المؤمنين، لا يتسنى العروج إلى معارجهم الرفيعة، ولا