ومعلوم أنه إذا قال القائل: جاءني القوم مثنى، وهم مائة ألف كان المعنى أنهم جاءوه اثنين اثنين، وهكذا جاءني القوم ثلاث ورباع.
والخطاب للجميع بمنزلة الخطاب لكل فرد فرد كما في قوله تعالى (اقتلوا المشركين، أقيموا الصلاة، آتوا الزكاة) ونحوها.
فمعنى قوله (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) لينكح كل فرد منكم ما طاب له من النساء اثنتين اثنتين، وثلاثاً ثلاثاً، وأربعاً أربعاً، هذا ما يقتضيه لغة العرب. فالآية تدل على خلاف ما استدلوا به عليه.
ويؤيد هذا قوله تعالى في آخر الآية (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) فإنه وإن كان خطاب للجميع فهو بمنزلة الخطاب لكل فرد فرد، فالأولى أن يستدل على تحريم الزيادة على الأربع بالسنّة لا بالقرآن.
وأما استدلال من استدل بالآية على جواز نكاح التسع باعتبار الواو الجامعة، وكأنه قال انكحوا مجموع هذا العدد المذكور، فهذا جهل بالمعنى العربي، ولو قال انكحوا اثنتين وثلاثاً وأربعاً، كان هذا القول له وجه، وأما مع المجيء بصيغة العدل فلا.
وإنما جاء سبحانه بالواو الجامعة دون (أو) لأن التخيير يشعر بأنه لا يجوز إلا أحد الأعداد المذكورة دون غيره، وذلك ليس بمراد من النظم القرآني.
وأخرج الشافعي وابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وابن ماجة والدارقطني والبيهقي عن ابن عمر أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اختر منهن وفي لفظ أمسك منهن أربعاً وفارق سائرهن (١)، وروي هذا الحديث بألفاظ من طرق.