لكم (سيآتكم) أي ذنوبكم التي هي صغائر، فالتكفير ليس مرتباً على الاجتناب وحده.
وحملُ السيئآت على الصغائر هنا متعينّ لذكر الكبائر قبلها. وجعل اجتنابها شرط لتكفير السيئآت: واجتناب الشيء المباعدة عنه وتركه جانباً، والكبيرة ما كبر وعظم من الذنوب وعظمت عقوبته.
وقد اختلف أهل الأصول في تحقيق معنى الكبائر ثم في عددها فأما في تحقيقها فقيل: إن الذنوب كلها كبائر، وإنما يقال لبعضها صغيرة بالإضافة إلى ما هو أكبر منها كما يقال الزنا صغيرة بالإضافة إلى الكفر، والقبلة المحرمة صغيرة بالإضافة إلى الزنا، وقد روى نحو هذا عن الإسفرايني والجويني والقشيري وغيرهم.
قالوا المراد بالكبائر التي يكون اجتنابها سبباً لتكفير السيآت هي الشرك، واستدلوا على ذلك بقراءة من قرأ إن تجتنبوا كبير ما تنهون عنه، وعلى قراءة الجمع فالمراد أجناس الكفر واستدلوا على ما قالوه بقوله تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) قالوا فهذه الآية مقيدة لقوله إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه.
وقال ابن عباس: الكبيرة كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب، وقال ابن مسعود: الكبائر ما نهى الله عنه في هذه السورة إلى ثلاث وثلاثين آية، قال سعيد بن جبير: كل ذنب نسبه الله إلى النار فهو كبيرة.
وقال جماعة من أهل الأصول الكبائر كل ذنب رتّب الله عليه الحد أو صرح بالوعيد فيه وقيل غير ذلك مما لا فائدة في التطويل بذكره، وقد ذكر الشوكاني جُلّ ذلك في نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، وقد ذكر رضي الله عنه في إرشاد الفحول من النصوص عليها فوق الثلاثين.