للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لراعنا مجرى انظرنا أو فتلاً بها وضماً لما يظهرونه من الدعاء والتوقير إلى ما يضمرونه من السب والتحقير (١).

(وطعناً) أي قدحاً (في الدّين) بقولهم لو كان نبياً لعلم أنا نسبه، فأطلع الله سبحانه نبيه - صلى الله عليه وسلم - على ذلك (ولو أنهم قالوا سمعنا) قولك (وأطعنا) أمرك (واسمع) ما نقول (وانظرنا) أي أفهمنا لا تعجل علينا أي لو قالوا هذا مكان قولهم سمعنا وعصينا وراعنا بلسان المقال أو الحال (لكان خيراً لهم) مما قالوه (وأقوم) أي أعدل وأولى من قولهم الأول وهو قولهم سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا لما في هذا من المخالفة وسوء الأدب واحتمال الذم في راعنا.

(ولكن) لم يسلكوا ذلك المسلك الحسن، ولم يأتوا بما هو خير لهم وأقوم، بل استمروا على كفرهم ولهذا (لعنهم الله بكفرهم) أي خذلهم وأبعدهم بسبب كفرهم (فلا يؤمنون) بعد ذلك (إلا) إيماناً (قليلاً) وهو الإيمان ببعض الكتب دون بعض، وببعض الرسل دون بعض، وقيل هو اعترافهم بأن الله خلقهم ورزقهم وقيل إلا نفر قليل كعبد الله بن سلام، وعبّر الزمخشري وابن عطية عن هذا القليل بالعدم يعني أنهم لا يؤمنون ألبتة.


(١) في " مشكل القرآن " ٢٩١: هؤلاء قوم من اليهود كانوا يقولون للنبي - صلى الله عليه وسلم - إذا حدثهم وأمرهم: سمعنا، ويقولون في أنفسهم: عصينا، وإن أرادوا أن يكلموه بشيء قالوا له: اسمع يا أبا القاسم، ويقولون في أنفسهم: لا سمعت، ويقولون له: راعنا، ويوهمونه في ظاهر اللفظ أنهم يريدون: انتظرنا، حتى نكلمك بما نريد، كما تقول العرب: أعرني سمعك وراعني، أي: انتظرني وترفق بي وتلوم علي، هذا ونحوه، وإنما يريد سبه بالرعونة في لغتهم، فقال الله سبحانه: (من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه) ويقولون كذا وكذا، ويقولون: (راعنا لياً بألسنتهم) أي: قلباً للكلام بها، (وطعناً في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا) مكان قولهم: سمعنا وعصينا، وقالوا: واسمع، مكان قولهم: لا سمعت، وانظرنا، مكان قولهم: راعنا لكان خيراً لهم وأقوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>