واختلف العلماء في المعنى المراد بهذه الآية هل هو حقيقة فيجعل الوجه كالقفا فيذهب بالأنف والفم والحاجب والعين وهو محو تخطيط صور الوجوه، قال ابن عباس يجعلها كخف البعير، وقيل نعميها فيكون المراد بالوجه العين، أو ذلك عبارة عن الضلالة في قلوبهم وسلبهم التوفيق، فذهب إلى الأول طائفة، وإلى الآخر آخرون، وفي تنكير الوجوه المفيد للتكثير تهويل للخطب، وفي إبهامها لطف بالمخاطبين وحسن استدعاء لهم إلى الإيمان.
وعلى الأول فالمراد بقوله (فنردّها على أدبارها) نجعلها أقفاء أي نذهب بآثار الوجه وتخطيطه حتى يصير على هيئة القفا. وقيل أنه بعد الطمس يردها إلى مواضع القفا والقفا إلى مواضعها، وهذا هو ألصق بالمعنى الذي يفيده قوله (فنردها على أدبارها).
فإن قيل كيف جاز أن يهددهم بطمس الوجوه إن لم يؤمنوا ولم يفعل ذلك بهم، فقيل: إنه لما آمن هؤلاء ومن اتبعهم رفع الوعيد عن الباقين، وقال المبرد الوعيد باق منتظر، وقال لا بد من طمس في اليهود ومسخ قبل يوم القيامة، وقيل هو مختص بيوم القيامة، وقيل المراد طمس القلب والبصيرة وقيل المراد محو آثارهم من المدينة وردهم إلى أذرعات وأريحاء من أرض الشام من حيث جاؤوا، والأول أولى.
والضمير في (أو نلعنهم) عائد إلى أصحاب الوجوه (كما لعنّا أصحاب السبت) وكان لعن أصحاب السبت مسخهم قردة وخنازير، وقيل المراد نفس اللعنة، وهم ملعونون بكل لسان، والمراد وقوع أحد الأمرين إما الطمس أو اللعن، وقد وقع اللعن، ولكنه يقوي الأول تشبيه هذا اللعن بلعن أهل السبت (وكان أمر الله مفعولاً) أي كائناً موجوداً لا محالة إن لم يؤمنوا أو يراد بالأمر المأمور، والمعنى أنه متى أراده كان كقوله (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون).