(وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) هو فصل الحكومة على ما في كتاب الله سبحانه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا الحكم بالرأي المجرد، فإن ذلك ليس من الحق في شيء إلا إذا لم يوجد دليل تلك الحكومة في كتاب الله ولا في سنة رسوله فلا بأس باجتهاد الرأي من الحاكم الذي يعلم بحكم الله ورسوله، وبما هو أقرب إلى الحق عند عدم وجود النص.
وأما الحاكم الذي لا يدري بحكم الله ورسوله ولا بما هو أقرب إليهما فهو لا يدري ما هو العدل لأنه لا يعقل الحجة إذا جاءته، فضلاً عن أن يحكم بها بين عباد الله.
عن علي قال: حق على الإمام أن يحكم بما أنزل وأن يؤدي الأمانة فإذا فعل ذلك فحق على الناس أن يسمعوا له وأن يطيعوا وأن يجيبوا إذا دعوا وأصل العدل هو المساواة في الأشياء، فكل ما خرج عن الظلم والاعتداء سمّي عدلاً.
قيل: ينبغي العدل بين الخصمين في خمسة أشياء في الدخول عليه والجلوس بين يديه والإقبال عليهما والاستماع منهما والحكم بالحق فيما لهما وعليهما فيجب على الحاكم أن يأخذ الحق ممن وجب عليه لمن وجب له، ويكون مقصوده بحكمه إيصال الحق إلى مستحقّه، وأن لا يمتزج ذلك بغرض آخر، وقد ورد في فضل العادلين من الولاة أحاديث.
(إنّ الله نعمّا يعظكم به) أي نعم الشيء الذي يعظكم به وهو أداء، الأمانات والحكم بالعدل على وفق السنة والكتاب دون الرأي البحت والعقل الصرف تقليداً للأحبار والرهبان من غير حجة نيّرة وبرهان واضح (إن الله كان سميعاً بصيراً) فإذا حكمتم فهو يسمع حكمكم، وإذا أديتم الأمانة فهو يبصر فعلكم.