أن يتحاكموا إلى الطاغوت) وهذا في حياته - صلى الله عليه وسلم -، وأما بعد موته فتحكيم الكتاب والسنة تحكم الحاكم بما فيهما من الأئمة والقضاة إذا كان لا يحكم بالرأي المجرد مع وجود الدليل في الكتاب والسنة أو في أحدهما، وكان يعقل ما يرد عليه من حجج الكتاب والسنة بأن يكون عالماً باللغة العربية وما يتعلق بها من نحو وتصريف ومعاني وبيان، عارفاً بما يحتاج إليه من علم الأصول بصيراً بالسنة المطهرة مميزاً بين الصحيح وما يلحق به، والضعيف وما يلحق به، منصفاً غير متعصب لمذهب من المذاهب ولا لنحلة من النحل، ورعاً لا يحيف ولا يميل في حكمه.
فمن كان هكذا فهو قائم في مقام النبوة، مترجم عنها، حاكم بأحكامها، وفي هذا الوعيد الشديد ما تقشعر له الجلود، وترجف له الأفئدة فإنه أولاً أقسم سبحانه بنفسه مؤكداً لهذا القسم بحرف النفي بأنهم لا يؤمنون فنفى عنهم الإيمان الذي هو رأس مال صالحي عباد الله حتى تحصل لهم غاية هي تحكيم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ثم لم يكتف سبحانه بذلك حتى قال (ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت) فضم إلى التحكيم أمراً آخر هو عدم وجود حرج أي حرج في صدورهم، فلا يكون مجرد التحكيم والإذعان كافياً حتى يكون من صميم القلب عن رضا واطمئنان، وانثلاج قلب وطيب نفس.
ثم لم يكتف بهذا كله بل ضم إليه قوله (ويسلّموا) أي يذعنوا وينقادوا ظاهراً وباطناً.
ثم لم يكتف بذلك بل ضم إليه المصدر المؤكد فقال (تسليماً) فلا يثبت الإيمان لعبد حتى يقع منه هذا التحكيم ثم لا يجد الحرج في صدره بما قضى عليه ويسلم لحكمه وشرعه تسليماً لا يخالطه رد، ولا تشوبه مخالفة.