يغلب) يعني يظفر بعدوه من الكفار، وذكر هذين الأمرين للإشارة إلى أن حق المجاهد أن يوطن نفسه على أحدهما ولا يخطر بباله القسم الثالث وهو مجرد أخذ المال (فسوف نؤتيه) في كلتا الحالتين الشهادة أو الظفر (أجراً عظيماً) يعني ثواباً وافراً.
وعد الله المقاتلين في سبيله بأنه سيؤتيهم أجراً عظيماً لا يقادر قدره، وذلك أنه إذا قتل فاز بالشهادة التي هي أعلى درجات الأجور، وان غلب وظفر كان له أجر من قاتل في سبيل الله مع ما قد ناله من العلو في الدنيا والغنيمة، وظاهر هذا يقتضي التسوية بين من قتل شهيداً أو انقلب غانماً.
وربما يقال إن التسوية بينهما إنما هي في إيتاء الأجر العظيم، ولا يلزم أن يكون أجرهما مستوياً فإن كون الشيء عظيماً هو من الأمور النسبية التي يكون بعضها عظيماً بالنسبة إلي ما هو دونه، وحقيراً بالنسبة إلى ما فوقه.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي وإيمان بي وتصديق برسلي فهو على ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلاً ما نال من أجر أو غنيمة، أخرجه الشيخان واللفظ لمسلم (١).
(١) قال ابن عطية: المنافق يعاطي المؤمنين المودة، ويعاهد على التزام كلف الإسلام، ثم يتخلف نفاقاً وشكاً وكفراً بالله ورسوله، ثم يتمنى عندما يكشف الغيب الظفر للمؤمنين فعلى هذا يجيء قوله تعالى: (كأن لم تكن بينكم وبينه مودة) التفاتة بليغة، واعتراضاً بين القائل والمقول بلفظ يظهر زيادة في قبح فعلهم " البحر المحيط " ٣/ ٢٩٣.