ثم ذكر الأقربين لأنهم مظنة المودة والتعصب، فإذا شهدوا على هؤلاء بما عليهم فالأجنبي من الناس أحرى أن يشهدوا عليه، وقد قيل: إن معنى الشهادة على النفس أن يشهد بحق على من يخشى لحوق ضرر منه على نفسه، وهو بعيد.
(إن يكن) المشهود عليه من الأقارب أو الأجانب (غنيّا) فلا يراعى لأجل غنائه استجلاباً لنفعه أو استدفاعاً لضره فتترك الشهادة عليه (أو فقيراً) فلا يراعى لفقره رحمة له وإشفاقاً عليه فتترك الشهادة عليه، وقرأ ابن مسعود: إن يكن غني أو فقير على إن كان تامة، وإنما قال (فالله أولى بهما) ولم يقل به مع أن التخيير إنما يدل على الحصول لواحد لأن المعنى فالله أولى بكل واحد منهما.
وقيل رد الضمير إلى المعنى دون اللفظ، وقال الأخفش: تكون أو بمعنى الواو، وقيل: إنه يجوز ذلك مع تقدم ذكرهما كما في قوله تعالى (وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس) وقد تقدم في مثل هذا ما هو أبسط مما هنا، وقرأ أُبَيّ فالله أولى بهم.
(فلا تتّبعوا الهوى) في الشهادة (أن تعدلوا) إما من العدل كأنه قال: فلا تتبعوا الهوى كراهة أن تعدلوا بين الناس، واختاره الزمخشري أو من العدول واختاره القاضي كأنه قال: فلا تتبعوا الهوى مخافة أن تعدلوا عن الحق أو كراهة أن تعدلوا عنه.
(وإن تلووا) من اللَّي يقال لويت فلاناً حقه إذا دفعت عنه والمراد لي الشهادة ميلاً إلى المشهود عليه، وقرأ الكوفيون وإن تلوا من الولاية أي وإن تلوا الشهادة وتتركوا ما يجب عليكم من تأديتها على وجه الحق، وقد قيل إن هذه القراءة تفيد معنيين الولاية والإعراض، والقراءة الأولى تفيد معنى واحداً، وهو الإعراض.