الرجال بالكتاب والسنة، ولم يبق في أيديهم سوى قال إمام مذهبنا كذا، وقال فلان من أتباعه بكذا، وإذا سمعوا من يستدل على تلك المسئلة بآية قرآنية أو بحديث نبوي سخروا منه ولم يرفعوا إلى ما قاله رأساً، ولا بالوا به بالة وظنوا أنه قد جاء بأمر فظيع وخطب شنيع، وخالف مذهب إمامهم الذي نزلوه منزلة معلم الشرائع.
بل بالغوا في ذلك حتى جعلوا رأيه القائل، واجتهاده الذي هو عن منهج الحق مائل، مقدماً على الله وعلى كتابه وعلى رسوله فإنا لله وإنا إليه راجعون، ما صنعت هذه المذاهب بأهلها، والأئمة الذين انتسب هؤلاء المقلدة إليهم برآء من فعلهم فإنهم قد صرحوا في مؤلفاتهم بالنهي عن تقليدهم كما أوضح الشوكاني ذلك في القول المفيد وأدب الطلب، اللهم انفعنا بما علمتنا واجعلنا من المتقيدين بالكتاب والسنة، وباعد بيننا وبين آراء الرجال المبنية على شفا جرف هار، يا مجيب السائلين.
قال ابن عباس: دخل في هذه الآية كل محدث في الدين وكل مبتدع إلى يوم القيامة.
(إنكم إذاً مثلهم) مستأنفة سيقت لتعليل النهي أي أنكم إن فعلتم ذلك وقعدتم معهم ولم تنتهوا فأنتم مثلهم في الكفر واستتباع العذاب (١)، قيل
(١) روى الإمام أحمد ٢/ ١٤٨ بترتيب الساعاتي، والترمذي ٤/ ٢٠ وحسنه، والنسائي ١/ ١٩٨ من حديث جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر " وهو حديث صحيح. قال ابن حجر: أخرجه النسائي من حديث جابر مرفوعاً وإسناده جيد، قلت: وليس في النسائي الشطر الثاني من الحديث، وأخرجه الترمذي من وجه آخر بسند فيه ضعف، وأبو داود في " سننه " ٣/ ٤٧٧ عن ابن عمر بسند فيه انقطاع، وأحمد ١/ ٢١٠ عن عمر- بسند فيه مجهول. وفي " القرطبي " ٥٢٢/ ٤١٧! فكل من جلس مجلس معصية، ولم ينكر عليهم أن يكون معهم في الوزر سواء، وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها، فإن لم يقدر على النكر عليهم، فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية.