من أحوالهم وأعمالهم (واعتصموا بالله) أي تمسكوا بعهده ووثقوا به، والاعتصام به التمسك به والوثوق بوعده (وأخلصوا دينهم لله) أي جعلوه خالصاً له غير مشوب بطاعة غيره، فهذه الأمور الأربعة إذا حصلت فقد كمل الإيمان وذلك قوله (١).
(فأولئك) الذين اتصفوا بالصفات السابقة الأربعة والإشارة بما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد المنزلة. وعلو الطبقة (مع المؤمنين) فيما يؤتونه، قال الفراء: أي من المؤمنين يعني الذين لم يصدر منهم نفاق أصلاً.
قال القتيبي: حاد عن كلامهم غضباً عليهم فقال أولئك مع المؤمنين ولم يقل هم المؤمنون انتهى، والظاهر أن معنى (مع) هو معتبر هنا أي فأولئك مصاحبون للمؤمنين في أحكام الدنيا والآخرة ثم بين ما أعد الله للمؤمنين الذين هؤلاء معهم فقال:
(وسوف يؤت الله المؤمنين أجراً عظيماً) في الآخرة وحذفت الياء من (يؤتى) في الخط كما حذفت في اللفظ لسكونها وسكون اللام بعدها، ومثله (يوم يدع الداع، وسندع الزبانية، ويوم يناد المناد) ونحوها فإن الحذف في الجميع لالتقاء الساكنين، فجاء الرسم تابعاً للفظ، والقراء يقفون عليه دون ياء اتباعاً للخط الكريم إلا يعقوب والكسائي وحمزة فإنهم يقفون بالياء نظراً إلى الأصل.
(١) قال السيوطي في " الدر " ٢/ ٢٣٦ رواه ابن أبي شيبة، وهناد، وابن أبي الدنيا، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم في صفة الناس عن ابن مسعود. قلت: وفي سنده انقطاع، لأن خيثمة بن عبد الرحمن الراوي عن ابن مسعود لم يسمع منه، ذكره الإمام أحمد، ورواه ابن أبي حاتم من طريق حماد ابن سلمة: أخبرنا علي بن زيد عن القاسم بن عبد الرحمن أن ابن مسعود ... وعلي بن يزيد ضعيف، والقاسم بن عبد الرحمن صدوق يرسل كثيراً وفي " الطبري " ٩/ ٣٣٩ عن أبي هريرة (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) قال: " في توابيت ترتج عليهم " وفي تفسير ابن كثير ١/ ٥٧٠: ووراه ابن أبي حاتم بسند حسن، ولفظه: " الدرك الأسفل: بيوت لها أبواب تطبق عليهم، فتوقد من تحتهم ومن فوقهم ".