الجبرية إذ لا يوصف بالإباء إلا من هو قادر على المطلوب (واستكبر) أي تعظم عن السجود لآدم والاستكبار والاستعظام للنفس، وقد ثبت في الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - " أن الكبر بطر الحق وغمط الناس " وفي رواية غمص الناس، وإنما قدم الإباء عليه وإن كان متأخراً عنه في الترتيب لأنه من الأفعال الظاهرة بخلاف الاستكبار فإنه من أفعال القلوب، واقتصر في سورة ص على ذكر الاستكبار، وفي سورة الحجر على ذكر الإباء (وكان من الكافرين) أي من جنسهم في علم الله تعالى، وإنما وجبت له النار لسابق علم الله تعالى بشقاوته، وقيل إن (كان) هنا بمعنى صار قال ابن فورك أنه خطأ ترده الأصول.
وأفادت الآية استقباح التكبر والخوض في سر الله تعالى، وإن الأمر للوجوب، وإن الذي علم الله من حاله أنه يتوفى على الكفر هو الكافر على الحقيقة إذ العبرة بالخواتيم وإن كان بحكم الحال مؤمناً، وهذه مسئلة الموافاة المنسوبة إلى أبي الحسن الأشعري ومعناها أن العبرة بالإيمان الذي يوافي العبد عليه أي يأتي متصفاً به في آخر حياته وأول منازل آخرته، وحيث أطلقت مسئلة الموافاة فالمراد بها ذلك، وهي مما اختلف فيها الشافعية والحنفية والماتريدية، وللسبكي فيها تأليف مستقل، ومن فروعها أنه يصح أن يقول أنا مؤمن إن شاء الله، ويبتنى عليها مسئلة الإحباط في الأعمال بالردة.
قال الخفاجي مسئلة الموافاة من أمهات المسائل وفصلها النسفي في شرح التمهيد فقال ما حاصله أن الشافعي يقول إن الشقي شقي في بطن أمه وكذا السعيد فلا تبديل في ذلك ويظهر ذلك عند الموت ولقاء الله وهو معنى الموافاة والماتريدية يقولون يمحو الله ما يشاء ويثبت فيصير السعيد شقياً والشقي سعيداً إلا أنهم يقولون من مات مسلماً مخلد في الجنة ومن مات كافراً مخلد في العذاب باتفاق الفريقين فلا ثمرة للخلاف أصلاً، إلا أن يقال إن من كان مسلماً وورث أباه السلم إذا مات كافراً يرد ما أخذه إلى بقية الورثة المسلمين، وكذا الكافر وتبطل جميع أعماله، والمنقول في المذهب خلافه فحينئذ لا ثمرة له إلا أنه يصلح منه أن يقول أنا مؤمن إن شاء الله بقصد التعليق في المستقبل حتى