وكل ذلك ناشئ عن عدم الإنصاف عند عروض الاختلاف، ولو وجد أحد القائلين بأحد التأويلين اسماً مجروراً في رواية ومنصوباً في أخرى مما يتعلق به الاختلاف ووجد قبله منصوباً لفظاً ومجروراً لما شك أن النصب عطف على المنصوب، والجر عطف على المجرور.
وإذا تقرر لك هذا كان الدليل القرآني قاضياً بمشروعية كل واحد منهما على انفراده لا على مشروعية الجمع بينهما. وإن قال به قائل فهو من الضعف بمكان لأن الجمع بين الأمرين لم يثبت في شيء من الشريعة.
انظر الأعضاء المتقدمة على هذا العضو من أعضاء الوضوء فإن الله سبحانه شرع في الوجه الغسل فقط، وكذلك في اليدين، وشرع في الرأس المسح فقط، ولكن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد بين للأمة أن المفروض عليهم هو غسل الرجلين لا مسحهما فتواترت الأحاديث عن الصحابة في حكاية وضوئه - صلى الله عليه وسلم - وكلها مصرحة بالغسل ولم يأت في شيء منها المسح إلا في مسح الخفين.
فإن كانت الآية مجملة في الرجلين باعتبار احتمالها للغسل والمسح فالواجب الغسل بما وقع منه - صلى الله عليه وسلم - من البيان المستمر جميع عمره.
وإن كان ذلك لا يوجب الإجماع فقد ورد في السنة الأمر بالغسل وروداً ظاهراً وثبت بالأحاديث الصحيحة من فعله - صلى الله عليه وسلم - وقوله غسل الرجلين فقط وثبت عنه أنه قال:" ويل للأعقاب من النار وويل للعراقيب من النار "(١) أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة، وأحمد وابن ماجة من حديث عائشة، وابن ماجة أيضاً من حديث جابر، والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة من حديث ابن عمر، وأحمد والبخاري ومسلم أيضاً من حديث أبي هريرة.