التوراة فيها حكم الله) ولو بدلوا من التوراة ألفاظها لم يكن عندهم التوراة التي فيها حكم الله، وما وقع في القرآن من نسبة التحريف والتبديل فيها إليهم فإنما المعنى به التأويل، اللهم إلا أن يطرقها التبديل في الكلمات على طريق الغفلة وعدم الضبط، وتحريف من لا يحسن الكتابة بنسخها فذلك يمكن في العادة لا سيما وملكهم قد ذهب، وجماعتهم انتشرت في الآفاق، واستوى الضابط منهم وغير الضابط، والعالم والجاهل، ولم يكن وازع يحفظ لهم ذلك لذهاب القدرة بذهاب الملك فتطرق من أجل ذلك إلى صحف التوراة في الغالب تبديل وتحريف غير متعمد من علمائهم وأحبارهم، ويمكن مع ذلك الوقوف على الصحيح منها إذا تحرى القاصد لذلك بالبحث عنه انتهى.
والحاصل أنهم يقولون إن أمركم محمد بما أنتم عليه فاقبلوه وإن خالفكم فاحذروه.
(ونسوا حظاً مما ذكروا به) أي الكتاب وما أمروا به من الإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وبيان نعته وصفته.
(ولا تزال تطلع على خائنة منهم) الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - والخائنة الخيانة، وقيل التقدير فرقة خائنة، وقد يقع للمبالغة نحو علامة ونسابة إذا أردت المبالغة في وصفه بالخيانة، وقيل خائنة معصية، قاله ابن عباس، قال مجاهد: هم يهود مثل الذي هموا به من النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم دخل عليهم حائطهم، وقال قتادة: خائنة كذب وفجور.
(إلا قليلاً منهم) يعني أنهم لم يخونوا ولم ينقضوا العهد وهم عبد الله بن سلام وأصحابه ولم يؤمر يومئذ بقتالهم، فأمره الله أن يعفو عنهم ويصفح فقال:(فاعف عنهم واصفح) ثم نسخ ذلك في براءة فقال: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) الآية، وقيل هو خاص بالعاهدين وأنها غير منسوخة (إن الله يحب المحسنين) أي إذا عفوت عنهم فإنك تحسن وهو يحب أهل الإحسان.