ولم تكن بينهما فترة فإنه أرسل بينهما ألف نبي من بني إسرائيل سوى من أرسل من غيرهم، وكان بين ميلاد عيسى ومحمد - صلى الله عليه وسلم - خمسمائة سنة وتسع وستون سنة، بعث في أولها ثلاثة أنبياء كما قال تعالى:(إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعزّزنا بثالث) والذي عزز به شمعون وكان من الحواريين وكانت الفترة التي لم يبعث الله فيها رسولاً أربعمائة وأربعة وثلاثين سنة، وقد قيل غير ما ذكرناه.
قال الرازي: والفائدة في بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - عند فترة الرسل هي أن التحريف والتغيير قد كان تطرق إلى الشرائع المتقدمة لتقادم عهدها وطول أزمانها، وسبب ذلك اختلاط الحق بالباطل والكذب بالصدق، فصار ذلك عذراً ظاهراً في إعراض الخلق عن العبادات لأن لهم أن يقولوا يا إلهنا عرفنا أنه لا بد من عبادتك ولكننا ما عرفنا كيف نعبدك فبعث الله في هذا الوقت محمداً - صلى الله عليه وسلم - لإزالة هذا العذر، فذلك: قوله تعالى:
(أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير) تعليل لمجيء الرسول بالبيان على حين فترة أي كراهة أن تقولوا هذا القول معتذرين عن تفريطكم، ومن زائدة للمبالغة في نفي المجيء، والفاء في قوله:(فقد جاءكم) هي الفصيحة (بشير ونذير) وهو محمد - صلى الله عليه وسلم - لإزالة هذا العذر (والله على كل شيء قدير) ومن جملة مقدوراته إرسال رسوله على فترة من الرسل.