للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأقول هذه الآية وإن نزلت في اليهود لكنها ليست مختصة بهم لأن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وكلمة (من) وقعت في معرض الشرط فتكون للعموم، فهذه الآية الكريمة متناولة لكل من لم يحكم بما أنزل الله وهو الكتاب والسنة، والمقلد لا يدعي أنه حكم بقول العالم الفلاني وهو لا يدري هل ذلك الحكم الذي حكم به هو من محض رأيه أم من المسائل التي استدل عليها بالدليل، ثم لا يدري أهو أصاب في الاستدلال أم أخطأ، وهل أخذ بالدليل القوي أم الضعيف؟.

فانظر يا مسكين ماذا صنعت بنفسك فإنك لم يكن جهلك مقصوراً عليك بل جهلت على عباد الله، فأرقت الدماء وأقمت الحدود وهتكت الحرم بما لا تدري، فقبح الله الجهل بما أنزله ولا سيما إذا جعله صاحبه شرعاً وديناً له وللمسلمين فإنه طاغوت عند التحقيق، وإن ستر من التلبيس بستر رقيق.

فيا أيها المقلد أخبرنا أي القضاة أنت من الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " القضاة ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به، ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار " (١) أخرجه أبو داود وابن ماجة عن بريدة.

فبالله عليك هل قضيت بالحق وأنت تعلم أنه الحق؟ إن قلت نعم، فأنت وسائر أهل العلم يشهدون بأنك كاذب لأنك معترف بأنك لا تعلم ما الحق، وكذلك سائر الناس يحكمون عليك بهذا من غير فرق بين مجتهد ومقلد، وإن قلت بل قضيت بما قاله إمامي، ولا تدري أحق هو أم باطل كما هو شأن كل مقلد على وجه الأرض، فأنت بإقرارك هذا أحد رجلين إما قضيت بالحق ولا تعلم أنه الحق أو قضيت بغير الحق لأن ذلك الحكم الذي


(١) أبو داود الباب الثاني من كتاب الأقضية.

<<  <  ج: ص:  >  >>