وأعدوا له عدة شتت الله جمعهم، وذهب بريحهم، فلم يظفروا بطائل ولا عادوا بفائدة، بل لا يحصلون من ذلك إلا على الغلب لهم، وذلك بأن بعث الله عليهم بختنصر البابلي، ثم افسدوا فبعث عليهم طيطوس الرومي، ثم أفسدوا فسلط عليهم المجوس، وهم أهل الفرس، ثم أفسدوا وقالوا يد الله مغلولة فبعث الله المسلمين، فلا تزال اليهود في ذلة أبداً، وهكذا لا يزالون يهيجون الحروب ويجمعون عليها ثم يبطل الله ذلك.
قال مجاهد: كلما مكروا مكراً في حرب محمد - صلى الله عليه وسلم - أطفأه الله تعالى، وعن السّدي قال: كلما أجمعوا أمرهم على شيء فرقه الله وقذف في قلوبهم الرعب، والآية مشتملة على استعارة بليغة وأسلوب بديع، وقيل: المراد بالنار هنا الغضب أي: كلما أثاروا في أنفسهم غضباً أطفاه الله بما جعله من الرعب في صدورهم والذلة والمسكنة المضروبتين عليهم قال قتادة: لا تلقى اليهود ببلدة إلا وجدتهم من أذل الناس فيها وهم أبغض خلق الله إليه.
(ويسمعون في الأرض فساداً) أي يجتهدون في فعل ما فيه فساد ومن أعظمه ما يريدون من إبطال الإسلام وكيد أهله (والله لا يحب المفسدين) إن كانت اللام للجنس فهم داخلون في ذلك دخولاً أولياً، وإن كانت للعهد فوضع الظاهر موضع المضمر لبيان شدة فسادهم وكونهم لا ينفكون عنه.