للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وسمعنا منه في غيرنا ما يزيد المؤمن إيماناً وصلابة في دين الله وشدة شكيمة في القيام بحجة الله، وكل ما يظنه متزلزلو الأقدام ومضطربو القلوب من نزول الضرر بهم وحصول المحن عليهم، فهي خيالات مختلة وتوهمات باطلة.

فإن كلّ محنة في الظاهر هي منحة في الحقيقة، لأنها لا تأتي إلا بخير في الأولى والأخرى (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) وقصة غورث بن الحرث ثابتة في الصحيح وهي معروفة مشهورة كما تقدم (١).

فإن قلت أليس قد شج رأسه وكسرت رباعيته يوم أحد وقد أوذي بضروب من الأذى، فكيف يجمع بين ذلك وبين هذه الآية.

قلت المراد أنه يعصمه من القتل فلا يقدر عليه أحد ويدل له حديث جابر في الصحيحين وفيه فقال: إن هذا اخترط على سيفي، إلى قوله، فقال: من يمنعك مني؟ فقلت الله، ثلاثاً، وقيل: إن هذه الآية نزلت بعد ما شج رأسه في يوم أحد، لأن سورة المائدة من آخر القرآن نزولاً، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحرس حتى نزلت فقال: انصرفوا فقد عصمني الله، رواه الحاكم بطوله.

(إن الله لا يهدي القوم الكافرين) جملة متضمنة لتعليل ما سبق من العصمة أي: إن الله لا يجعل لهم سبيلاً إلى الأضرار لك فلا تخف وبلغ ما أمرت بتبليغه، وقال ابن عباس: لا يرشد من كذبك وأعرض عنك، وقال ابن جرير الطبري: المعنى أن الله لا يرشد من حاد عن سبيل الحق وجار عن قصد السبيل وجحد ما جئت به من عند الله ولم ينته فيما فرض عليه وأوجبه.


(١) راجع ص ٤٦٣ ج٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>