لعباده المؤمنين على نفسه من طيبات المطاعم والملابس والمناكح، ولذلك رد النبي - صلى الله عليه وسلم - التبتل على عثمان بن مظعون، فثبت أنه لا فضل في ترك شيء مما أحله الله لعباده وأن الفضل والبر إنما هو في فعل ما ندب الله إليه عباده وعمل به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسنه لأمته واتبعه على منهاجه الأئمة الراشدون إذ كان خير الهدى هدى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -.
فإذا كان ذلك كذلك تبين خطأ من آثر لباس الشعر والصوف على لباس القطن والكتان إذا قدر على لباس ذلك من حله، وآثر أكل الخشن من الطعام وترك اللحم وغيره حذراً من عارض الحاجة إلى النساء، قال فإن ظن ظان أن الفضل في غير الذي قلنا لما في لباس الخشن وأكله من المشقة على النفس وصرف ما فضل بينهما من القيمة إلى أهل الحاجة فقد ظن خطأً، وذلك أن الأولى بالإنسان صلاح نفسه وعونه لها على طاعة ربها، ولا شيء أضر على الجسم من المطاعم الرديئة لأنها مفسدة لعقله ومضعفة لأدواته التي جعلها الله سبباً إلى طاعته انتهى.
(ولا تعتدوا) على الله بتحريم طيبات ما أحل لكم أو لا تعتدوا فتحلوا ما حرم الله عليكم أي تترخصوا فتحلوا حراماً كما نهيتم عن التشديد على أنفسكم بتحريم الحلال، وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن من حرم على نفسه شيئاً مما أحله الله له فلا يحرم عليه ولا تلزمه كفارة.
وقال أبو حنيفة وأحمد ومن تابعهما: أن من حرم شيئاً صار محرماً عليه وإذا تناوله لزمته الكفارة وهو خلاف ما في هذه الآية وخلاف ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة، ولعله يأتي في سورة التحريم ما هو أبسط من هذا إن شاء الله تعالى، وظاهرة تحريم كل اعتداء أي مجاوزة لما شرعه الله في كل أمر من الأمور.
أخرج الطبراني وغيره عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال