والعهد، فاليمين المعقدة من عند القلب ليفعلن أو لا يفعلن في المستقبل أي ولكن يؤاخذكم بأيمانكم المعقدة الموثقة بالقصد والنية إذا حنثتم فيها، وأما اليمين الغموس فهي يمين مكر وخديعة وكذب قد باء الحالف بإثمها، وليست بمعقودة ولا كفارة فيها كما ذهب إليه الجمهور.
وقال الشافعي: هي يمين معقودة لأنها مكتسبة بالقلب معقودة بخير مقرونة باسم الله، والراجح الأول، وجميع الأحاديث الواردة في تكفير اليمين متوجهة إلى المعقودة، ولا يدل شيء منها على الغموس بل ما ورد في الغموس إلا الوعيد والترهيب، وأنها من الكبائر بل من أكبر الكبائر، وفيها نزل قوله تعالى:(إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً) الآية.
(فكفارته) هي مأخوذة من التكفير وهو التستير وكذلك الكفر هو الستر، والكافر هو الساتر سميت بها لأنها تستر الذنب وتغطيه، والضمير في كفارته راجع إلى الحنث الدال عليه سياق الكلام، وقيل إلى العقد لتقدم الفعل الدال عليه، وقيل إلى اليمين وإن كانت مؤنثة لأنها بمعنى الحلف، قالهما أبو البقاء وليسا بظاهرين، وقيل إن (ما) إن جعلناها موصولة اسمية، فالعبارة على حذف مضاف أي فكفارة نكثه كذا قدره الزمخشري.
(إطعام عشرة مساكين) هو أن يغديهم ويعشيهم أو يعطيهم بطريق التمليك وقيل لكل مسكين مد، ولا يتعين كونه من فقراء بلد الحالف (من أوسط ما تطعمون) المراد الوسط هنا المتوسط بين طرفي الإسراف والتقتير، وليس المراد به الأعلى كما في غير هذا الموضع أي أطعموهم من المتوسط مما تعتادون إطعام (أهليكم) ولا يجب عليكم أن تطعموهم من أعلاه ولا يجوز لكم أن تطعموهم من أدناه بل من غالب قوت بلد الحالف أي: محل الحنث، قال ابن عباس يعني من عسركم ويسركم، وظاهره أنه يجزى إطعام عشرة حتى يشبعوا.