محذوف (طعام مساكين) من غالب قوت البلد ما يساوي قيمة الجزاء لكل مسكين مد (أو عدل ذلك) معطوف على طعام (صياماً) تمييز العدل، والمعنى أو قدر ذلك صياماً، والجاني مخير بين هذه الأنواع المذكورة وإليه ذهب جمهور العلماء منهم الشافعي ومالك وأبو حنيفة، وقال أحمد وزفر: إن كلمة أو للترتيب وهما روايتان عن ابن عباس.
وروي عنه أنه لا يجزئ المحرم الإطعام والصوم إلا إذا لم يجد الهدي، والعدل بفتح العين وكسرها لغتان وهما المثل قاله الكسائي، وقال الفراء: عدل الشيء بكسر العين مثله من جنسه، وبفتح العين مثله من غير جنسه وبمثل قول الكسائي قال البصريون.
وأوجبنا ذلك عليه (ليذوق وبال أمره) فهذا علة لإيجاب الجزاء، والذوق مستعار لإدراك المشقة، ومثله (ذق إنك أنت العزيز الكريم) والوبال سوء العاقبة والمرعى الوبيل الذي يتأذى به بعد أكله، وطعام وبيل إذا كان ثقيلاً، وإنما سمى الله ذلك وبالاً لأن إخراج الجزاء ثقيل على النفس لما فيه من تنقيص المال، وثقل الصوم من حيث إن فيه إنهاك البدن.
(عفا الله عما سلف) يعني في جاهليتكم من قتلكم للصيد فلم يؤاخذكم به، وقيل عما سلف قبل التحريم ونزول الكفارة (ومن عاد) إلى ما نهيتم عنه من قتل الصيد مرة ثانية بعد هذا البيان (فينتقم الله منه) في الآخرة فيعذبه بذنبه وقيل ينتقم منه بالكفارة، قال شريح وسعيد بن جبير: يحكم عليه في أول مرة، فإذا عاد لم يحكم عليه بل يقال له اذهب ينتقم الله منك أي ذنبك أعظم من أن يكفر، والإنتقام المبالغة في العقوبة.
ولكن هذا الوعيد لا يمنع إيجاب الجزاء في المرة الثانية والثالثة، فإذا تكرر من المحرم قتل الصيد تكرر عليه الجزاء، وهذا قول الجمهور، وقد روي عن ابن عباس والنخعي وداود الظاهري أنه إذا قتل الصيد مرة ثالثة فلا جزاء عليه لأنه وعده بالإنتقام منه (والله عزيز) غالب على أمره (ذو انتقام) ممن عصاه وجاوز حدود الإسلام.