الذي تتلونه وتدرسونه، والآيات التي تقرؤنها من التوراة، والتلاوة: القراءة وهي المراد هنا وأصلها الاتباع.
(أفلا تعقلون) استفهام للإنكار عليهم والتقريع لهم، وهو أشد من الأول وأشد، ولشد ما قرع الله في هذا الموضع من يأمر بالخير ولا يفعله من العلماء الذين هم غير عاملين بالعلم، فاستنكر عليهم أولاً أمرهم للناس بالبر مع نسيان أنفسهم من ذلك الأمر الذي قاموا به في المجامع، ونادوا به في المجالس إيهاماً للناس بأنهم مبلغون عن الله ما تحملوه من حججه، ومبينون لعباده ما أمرهم ببيانه وموصلون إلى خلقه ما استودعهم وأئتمنهم عليه، وهم اترك الناس لذلك وأبعدهم من نفعه وأزهدهم فيه.
ثم ربط هذه الجملة بجملة أخرى جعلها مبينة لحالهم وكاشفة لعوارهم وهاتكة لأستارهم، وهي أنهم فعلوا هذه الفعلة الشنيعة، والخصلة الفظيعة، على علم منهم ومعرفة بالكتاب الذي أنزل عاجهم وملازمة لتلاوته وهم في ذلك كما قال المعري:
وإنما حمل التوراة قارئها ... كسب الفوائد لا حب التلاوات
ثم انتقل معهم من تقريع إلى تقريع، ومن توبيخ إلى توبيخ، فقال أنكم لو لم تكونوا من أهل العلم وحملة الحجة وأهل الدّراسة لكتب الله لكان مجرد كونكم ممن يعقل حائلاً بينكم وبين ذلك ذائداً لكم عنه، زاجراً لكم منه، فكيف أهملتم ما يقتضيه العقل بعد إهمالكم لما يوجبه العلم؟ والعقل في أصل اللغة المنع ومنع عقال البعير لأنه يمنعه عن الحركة ومنه العقل في الدية لأنه يمنع الولي عن قتل الجاني، والعقل نقيض الجهل.
ويصح تفسير ما في الآية هنا بما هو أصل معنى العقل عند أهل اللغة أي أفلا تمنعون أنفسكم من مواقعة هذه الحال المزرية، ويصح أن يكون معنى الآية أفلا تنظرون بعقولكم التي رزقكم الله إياها حيث لم تنتفعوا بما لديكم من