الكشاف على الجم الغفير من الناس كقوله (باركنا فيها للعالمين) يقال رأيت عالماً من الناس يراد الكثرة انتهى، قال الرازي في تفسيره وهذا ضعيف لأن لفظ العالم مشتق من العلم وهو الدليل، وكلما كان دليلاً على الله كان علماً وكان من العالم، وهذا تحقيق قول المتكلمين: العالم كل موجود سوى الله، وعلى هذا لا يمكن تخصيص لفظ العالم ببعض المحدثات، انتهى.
أقول هذا الاعتراض ساقط أما أولاً فدعوى اشتقاقه من العلم لا برهان عليه، وأما ثانياً فلو سلمنا صحة هذا الاشتقاق كان المعنى موجوداً بما يتحصل معه مفهوم الدليل على الله الذي يصح إطلاق اسم العلم عليه، وهو كائن في كل فرد من أفراد المخلوقات التي يستدل بها على الخالق، وغايته أن جمع العالم يستلزم أن يكونوا مفضلين على أفراد كثيرة من المحدثات، وأما إنهم مفضلون على كل المحدثات في كل زمان، فليس في اللفظ ما يفيد هذا ولا في اشتقاقه ما يدل عليه، وأما من جعل العالم أهل العصر فغايته أن يكونوا مفضلين على أهل عصور، لا على أهل كل عصر، فلا يستلزم ذلك تفضيلهم على أهل العصر الذين فيهم نبينا - صلى الله عليه وسلم - ولا على ما بعده من العصور.
ومثل هذا الكلام ينبغي استحضاره عند تفسير قوله تعالى (وآتاكم ما لم يؤت أحداً من العالمين) وعند قوله تعالى (ولقد اخترناهم على علم على العالمين) وعند قوله تعالى (إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين).
فإن قيل أن التعريف في العالمين يدل على شموله لكل عالم.
قلت لو كان الأمر هكذا لم يكن ذلك مستلزماً لكونهم أفضل من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - لقوله تعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس) فإن هذه الآية ونحوها تكون مخصصة لتلك الآيات.