فلعل مراد كعب الأحبار هذا، ولليهود بهذه الوصايا عناية عظيمة، وقد كتبها أهل الزبور في آخر زبورهم، وأهل الإنجيل في أول إنجيلهم، وهي مكتوبة في لوحين وقد تركنا منها ما يتعلق بالسبت، قال أبو السعود: وهذه الأحكام العشرة لا تختلف باختلاف الأمم والأعصار.
(و) أحسنوا (بالوالدين إحساناً) هو البر بهما وامتثال أمرهما ونهيهما، وقد تقدم الكلام على هذا، ولما كان إيجاب الإحسان تحريماً لترك الإحسان ذكر في المحرمات وكذا حكم ما بعده من الأوامر.
(ولا تقتلوا أولادكم) لما ذكر حق الوالدين على الأولاد، ذكر حق الأولاد عليهما وهو أن لا يقتلوهم (من) أجل (إملاق) هو الفقر فقد كانت الجاهلية تفعل ذلك بالذكور والإناث خشية الإملاق، وتفعله بالإناث خاصة خشية العار، وحكى النقاش عن مؤرخ أن الإملاق الجوع بلغة لخم.
وذكر منذر بن سعيد البلوطي أن الإملاق الإنفاق يقال أملق ماله بمعنى أنفقه، وقيل الإملاق الإسراف يقال أملق أي أسرف في نفسه، قاله محمد بن نعيم اليزيدي، والإملاق الإفساد أيضاً قاله شمر، يقال أملق ما عنده الدهر أي أفسده، وقال قتادة: الإملاق الفاقة، يقال أملق افتقر واحتاج، وهو الذي أطبق عليه أئمة اللغة والتفسير ههنا.
وقال هنا من " إملاق " وفي الإسراء " خشية إملاق " قال بعضهم لأن هذا في الفقر الناجز فيكون خطاباً للآباء الفقراء، وما في الإسراء في المتوقع فيكون خطاباً للآباء الأغنياء فلعلهم كان فقراؤهم يقتلون أولادهم وأغنياؤهم كذلك، وقيل هذا التقديم للتفنن في البلاغة والأول أولى لأن إفادة معنى جديد أولى من إدعاء كون الآيتين بمعنى واحد للتأكيد.
(نحن نرزقكم وإياهم) هذا تعليل للنهي قبله، وكان ظاهر السياق أن يقدم ويقال نحن نرزقهم وإياكم كما في آية الإسراء لأن الكلام في الأولاد، ولكن قدم هنا خطاب الآباء ليكون كالدليل على ما بعده.