قال في الكشاف: إنهم أمروا بالسجود عند الانتهاء إلى الباب شكراً لله وتواضعاً واعترضه أبو حيان في النهر الماد فقال لم يؤمروا بالسجود بل هو قيد في وقوع المأمور به وهو الدخول، والأحوال نسب تقييدية والأوامر نسب اسنادية انتهى، ويجاب عنه بأن الأمر بالمقيد أمر بالقيد، فمن قال أخرج مسرعاً فهو أمر بالخروج على هذه الهيئة، فلو خرج غير مسرع كان عند أهل اللسان مخالفاً للأمر، ولا ينافي هذا كون الأحوال نسباً تقييدية فإن اتصافها بكونها قيوداً مأموراً بها هو شيء زائد على مجرد التقييد.
(وقولوا حطة) قيل الحطة في الاصل اسم للهيئة من الحط كالجلسة والقعدة وقيل هي التوبة معناه الاستغفار، وقال ابن فارس في المجمل: حطة كلمة أمروا بها لو قالوها لحطت أوزارهم أي لا يدري معناها، قال الرازي في تفسيره أمرهم بأن يقولوا ما يدل على التوبة، وذلك لأن التوبة صفة القلب فلا يطلع الغير عليها.
وإذا اشتهر واحد بالذنب ثم تاب بعده لزمه أن يحكي توبته لمن شاهد منه الذنب، لأن التوبة لا تتم إلا به انتهى، وكون التوبة لا تتم إلا بذلك، لا دليل عليه بل مجرد عقد القلب عليها يكفي سواء اطلع الناس على ذنبه أم لا، وربما كان التكتم بالتوبة على وجه لا يطلع عليها إلا الله عز وجل أحب إلى الله وأقرب إلى مغفرته وأما رفع ما عند الناس من اعتقادهم بقاءه على المعصية فذلك باب آخر.
(نغفر لكم خطاياكم) أي نسترها عليكم من الغفر وهو الستر، لأن المغفرة تستر الذنوب، وخطايا جمع خطية (وسنزيد المحسنين) أي نزيدهم ثواباً أو إحساناً إلى إحسانهم المتقدم وهو اسم فاعل من أحسن.
وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الإحسان فقال:" أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ".