للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فلو قال قائل: أنا لا آكل ولا أشرب بل انتظر القضاء فإن قدر الله لي ذلك كان وإن لم يقدر لم يكن، أو قال قائل انا لا أزرع الزرع ولا أغرس الشجر وأنتظر القضاء، فإن قدر الله ذلك كان وإن لم يقدره لم يكن، أو قال قائل: أنا لا أجامع زوجتي أو أمتي لتحصل لي منهما الذرية بل إن قدر الله كان وإن لم يقدره لم يكن.

لكان هذا مخالفاً لما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما جاءت به كتبه وما كان عليه صلحاء الأمة وعلماؤها، بل يكون مخالفاً لما عليه هذا النوع الإنساني من أبينا آدم إلى الآن، بل مخالفاً لما عليه جميع أنواع الحيوانات في البر والبحر.

فكيف ينكر وصول العبد إلى الخير بدعائه أو بعمله الصالح فإن هذا من الأسباب التي ربط الله مسبباتها بها وعلمها قبل أن تكون، فعلمه على كل تقدير أزلي في المسببات والأسباب، ولا يشك من له اطلاع على كتاب الله عز وجل ما اشتمل عليه من ترتيب حصول المسببات على أسبابها كما في قوله: (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيآتكم) وقوله (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً) وقوله (لئن شكرتم لأزيدنكم) وقوله (واتقوا الله ويعلمكم الله) وقوله (فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون).

وكم يعد العاد من أمثال هذه الآيات القرآنية وما ورد موردها من الأحاديث النبوية وهل ينكر هؤلاء الغلاة مثل هذا ويجعلونه مخالفاً لسبق العلم مبايناً لأزليته، فإن قالوا: نعم فقد أنكروا ما في كتاب الله عز وجل من فاتحته إلى خاتمته، وما في السنة المطهرة من أولها إلى آخرها بل أنكروا أحكام الدنيا والآخرة لأنها كلها مسببات مترتبة على أسبابها وجزاآت معلقة بشروطها ومن بلغ إلى هذا الحد في الغباوة وعدم تعقل الحجة لم يستحق المناظرة ولا ينبغي

<<  <  ج: ص:  >  >>