(ولا يدخلون الجنة) أي هؤلاء الكفار المكذبون المستكبرون لا يدخلونها بحال من الأحوال ولهذا علقه بالمستحيل وقال (حتى يلج الجمل في سم الخياط) الولوج الدخول بشدة وخص الجمل بالذكر من بين سائر الحيوانات لكونه يضرب به المثل في كبر الذات وعظم الجرم عند العرب، فجسمه من أعظم الأجسام، وخص سم الخياط وهو ثقب الإبرة بالذكر لكونه غاية في الضيق وأضيق المنافذ، وهو لا يحل فيه أبداً فثبت أن الموقوف على المحال محال، فوجب بهذا الاعتبار أن دخول الكفار الجنة مأيوس منه قطعاً، والجمل الذكر من الإبل، والجمع جمال وأجمال وجمالات، وإنما يسمى جملاً إذا أربع.
وقرأ ابن عباس الجمل بضم الجيم وفتح الميم مشددة وهو حبل السفينة الذي يقال له القلس وهو حبال مجموعة قاله ثعلب، وقيل الحبل الغليظ من القنب، وقيل الحبل الذي يصعد به في النخل.
وقرأ ابن مسعود حتى يلج الجمل الأصغر، وقرئ سم بالحركات الثلاث لكن السبعة على الفتح والضم لغة لأهل العالية والكسر لغة لبني تميم وجمعه سمام، وكل ثقب ضيق فهو سم، وقيل كل ثقب في البدن أو أنف أو أذن فهو سم وجمعه سموم، والسم القاتل سمي بذلك للطفه وتأثيره في مسام البدن حتى يصل إلى القلب، وهو في الأصل مصدر ثم أريد به معنى الفاعل لدخوله باطن البدن والسم ثقب لطيف ومنه ثقب الإبرة.
والخياط ما يخاط به يقال خياط ومخيط قاله الفراء، والمراد به الإبرة في هذه الآية، قال بعض أهل المعاني: لما علق الله دخولهم الجنة بولوج الجمل في سم الخياط وهو خرق الإبرة كان ذلك نفياً لدخولهم الجنة على التأبيد، وذلك أن العرب إذا علقت ما يجوز كونه بما لا يجوز كونه استحال كون ذلك الجائز، وهذا كقولك لا آتيك حتى يشيب الغراب ويبيض القار.
(وكذلك نجزي المجرمين) أي مثل ذلك الجزاء الفظيع نجزي جنس من أجرم وقد تقدم تحقيقه.