(إن رحمة الله قريب من المحسنين) هذا إخبار من الله سبحانه بأن رحمته قريبة من عباده المحسنين بأي نوع من الأنواع كان إحسانهم، وفي هذا ترغيب للعباد إلى الخير وتنشيط لهم، فإن قرب هذه الرحمة التي يكون بها الفوز بكل مطلب مقصود لكل عبد من عباد الله.
وقد اختلف أئمة اللغة والإعراب في وجه تذكير خبر رحمة الله حيث قال (قريب) ولم يقل قريبة فقال الزجاج: إن الرحمة مؤولة بالرحم لكونها بمعنى العفو والغفران، ورجح هذا التأويل النحاس.
وقال النضر بن شميل الرحمة مصدر بمعنى الترحم، وحق المصدر التذكير، وقال الأخفش: أراد: بالرحمة هنا المطر وتذكير بعض المؤنث جائز.
وقال أبو عبيدة: المعنى مكان قريب.
قال علي بن سليمان الأخفش: وهذا خطأ ولو كان كما قال لكان قريب منصوباً، وقال الفراء: إن القريب إذا كان بمعنى المسافة فيذكر ويؤنث وإن كان بمعنى النسب فيؤنث بلا اختلاف بينهم، وروي عن الفراء أنه قال: في النسب قريبة فلان وفي غير النسب يجوز التذكير والتأنيث يقال دارك منا قريب، وفلانة منا قريب، قال الله تعالى:(وما يدريك لعل الساعة تكون قريباً).
وروي عن الزجاج أنه خطأ الفراء فيما قاله وقال: إن سبيل الذكر والمؤنث أن يجريا على أفعالهما، وقيل: إنه لما كان تأنيث الرحمة غير حقيقي جاز في خبرها التذكير، ذكر معناه الجوهري، وأصل الرحمة تقتضي الإحسان إلى المرحوم وتستعمل تارة في مجرد الرقة وتارة في الإحسان المجرد عن الرقة. وإذا وصف بها الباري يراد بها الإحسان فقط.
وقيل هي إرادة إيصال الخير والنعمة على عباده، فعلى الأول تكون الرحمة من صفات الأفعال وعلى الثاني من صفات الذات، قال سعيد بن جبير: الرحمة ههنا الثواب فرجع النعت إلى المعنى دون اللفظ.