وقد ذكر جماعة من المفسرين أن اليهود افترقت فرقتين، ففرقة اعتدت في السبت أي جاوزت ما أمر الله به من العمل فيه فصادوا السمك الذي نهاهم الله عن صيده فيه، والفرقة الأخرى انقسمت إلى فرقتين: ففرقة جاهرت بالنهي واعتزلت، وفرقة لم توافق المعتدين ولا صادوا معهم لكنهم جالسوهم ولم يجاهروهم بالنهي، ولا اعتزلوا عنهم، فمسخهم الله جميعاً ولم ينج إلا الفرقة الأولى فقط.
وهذه من جملة المحن التي امتحن الله بها هؤلاء الذين بالغوا في العجرفة وعاندوا أنبياءهم وما زالوا في كل موطن يظهرون من حماقاتهم وسخف عقولهم وتعنتهم نوعاً من أنواع التعسف، وشعبة من شعب التكلف، فإن الحيتان كانت في يوم السبت كما وصف الله سبحانه بقوله:(إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعاً ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم) فاحتالوا لصيدها وحفروا الحفائر وشقوا الجداول، فكانت الحيتان تدخلها يوم السبت فيصيدونها يوم الأحد، فلم ينتفعوا بهذه الحيلة الباطلة وكانت هذه القصة في زمن داود بأرض أيلة.
(فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين) أمر تحويل وتسخير وتكوين وهو عبارة عن تعلق القدرة بنقلهم عن الحقيقة البشرية إلى حقيقة القردة أي كونوا مبعدين عن الرحمة مطرودين عن الشرف، وقيل فيه تقديم وتأخير معناه كونوا خاسئين قردة ولهذا لم يقل خاسئات، والخاسيء المبعد، ومنه قوله تعالى (ينقلب إليك البصر خاسئاً) أي مبعداً وقوله (اخسئوا فيها) أي تباعدوا تباعد سخط ويكون الخاسيء بمعنى الصاغر، والمراد هنا كونوا بين المصير إلى أشكال القردة مع كونهم مطرودين صاغرين، فقردة خبر الكون، وخاسئين خبر آخر، وقيل أنه صفة لقردة، والاول أظهر.