حديث أنس مرفوعاً في الصحيحين وغيرهما، وأما المروي عن الصحابة في تفسير هذه الآية بإخراج ذرية آدم من صلبه في عالم الذر وأخذ العهد عليهم وإشهادهم على أنفسهم فهي كثيرة جداً، وقد روي عن جماعة ممن بعد الصحابة تفسير هذه الآية بإخراج ذرية آدم من ظهره، وفيما قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تفسيرها مما قدمنا ذكره ما يغني عن التطويل.
وقال أهل الكلام والنظر قولهم: بلى شهدنا على المجاز لا على الحقيقة، وهو خلاف مذهب جمهور المفسرين من السلف، قال ابن الأنباري: مذهب أصحاب الحديث وكبراء أهل العلم في هذه الآية أن الله أخرج ذرية آدم من صلبه وأصلاب أولاده وهم صور كالذر وأخذ عليهم الميثاق أنه خالقهم، وأنهم مصنوعه، فاعترفوا بذلك وقبلوه وذلك بعد أن ركب فيهم عقولاً عرفوا بها ما عرض عليهم كما جعل للجبال عقولاً حتى خوطبوا بقوله:(يا جبال أوّبي معه) وكما جعل للبعير عقلاً حتى سجد للنبي - صلى الله عليه وسلم - وكذلك الشجرة حتى سمعت لأمره وانقادت.
وقولهم: شهدنا إقرار له بالربوبية وكلام مستأنف وقيل شهدنا على أنفسنا بهذا الإقرار وليس في الآية ما يدل على بطلان ما ورد في الأحاديث، وقد ورد الحديث بثبوت ذلك وصحته فوجب المصير إليه والأخذ به جميعاً بينهما، وحكى الواحدي عن صاحب النظم أنه قال ليس بين قوله - صلى الله عليه وسلم - إن الله مسح ظهر آدم فأخرج منه ذريته وبين الآية اختلاف بحمد الله تعالى لأنه تعالى إذا أخرجهم من ظهر آدم فقد أخرجهم من ظهور ذريته، لأن ذرية آدم كذرية بعضهم من بعض.
فإن قيل إذا سبق لنا عهد وميثاق مثل هذا فلأي شيء لا نذكره اليوم، والجواب على ما ذكره سليمان الجمل إننا لم نتذكر هذا العهد لأن تلك البنية قد انقضت وتغيرت أحوالها بمرور الدهور عليها في أصلاب الأباء وأرحام