للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يتفجر منه الأنهار) قيل أراد به جميع الحجارة وقيل أراد به الحجر الذي كان يضرب عليه موسى ليسقي الأسباط، والتفجر التفتح بالسعة والكثرة (وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء) يعني العيون الصغار التي هي دون الأنهار، التفجر التفتح والشق واحد الشقوق وهو يكون بالطول أو بالعرض بخلاف الانفجار فهو الإنفتاح من موضع واحد مع اتساع الخرق، والمراد أن الماء يخرج من الحجارة من مواضع الانفجار والانشقاق. (١)

(وإن منها لما يهبط من خشية الله) أي أن من الحجارة لما ينحط من المكان الذي هو فيه إلى أسفل منه من الخشية التي تداخله وتحل به، وقيل أن الهبوط مجاز عن الخشوع منها والتواضع الكائن فيها انقياداً لله عز وجل، فهو مثل قوله تعالى (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله) واختاره ابن عطية، وقد حكى ابن جرير عن فرقة أن الخشية للحجارة مستعارة كما استعيرت الإرادة للجدار، وذكر الجاحظ أن الضمير في قوله (وإن منها) راجع إلى القلوب لا إلى الحجارة وهو فاسد فإن الغرض من سياق هذا الكلام هو التصريح بأن قلوب هؤلاء بلغت في القسوة وفرط اليبس الموجبين لعدم قبول الحق والتأثر للمواعظ إلى مكان لا تبلغ إليه الحجارة التي هي أشد الأجسام صلابة وأعظمها صلادة، فإنها ترجع إلى نوع من اللين وهو تفجرها بالماء وتشققها عنه، وقبولها لما توجبه الخشية لله من الخشوع والانقياد بخلاف تلك القلوب.

وفي قوله (وما الله بغافل عما تعملون) من التهديد وتشديد الوعيد ما لا يخفى، فإن الله عز وجل إذا كان عالماً بما يعملونه مطلعاً عليه، غير غافل عنه، كان لمجازاتهم بالمرصاد.


(١) قال مجاهد: كل حجر ينفجر منه الماء، ينشق عن ماء، أو يتردى من رأس جبل فهو من خشية الله. زاد السير ١/ ١١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>