قلت هذا نوع من البديع يسمى الاحتباك، وبقي عليه أنه ذكر في التخفيف بإذن الله وهو قيد لهما، وقوله:(والله مع الصابرين) إشارة إلى تأييدهم وأنهم منصورون حتماً لأن من كان الله معه لا يغلب، وبقي فيها لطائف فلله در التنزيل ما أحلى ماء فصاحته وأنضر رونق بلاغته.
ثم زاد هذا إيضاحاً مفيداً لعدم اختصاص هذه البشارة بهذا العدد بل هي جارية في كل عدد فقال:(وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا) وفي هذا دلالة على أن الجماعة من المؤمنين قليلاً كانوا أو كثيراً لا يغلبهم عشرة أمثالهم من الكفار بحال من الأحوال.
وقد وجد في الخارج ما يخالف ذلك فكم من طائفة من طوائف الكفار يغلبون من هو مثل عشرهم من المسلمين بل مثل نصفهم بل مثلهم، وأجيب عن ذلك بأن وجود هذا في الخارج لا يخالف ما في الآية لاحتمال أن لا تكون الطائفة من المؤمنين متصفة بصفة الصبر عند اللقاء.
وقيل أن هذا الخبر الواقع في الآية هو في معنى الأمر كقوله تعالى:(والوالدات يرضعن أولادهن)، (والمطلقات يتربصن) فالمؤمنون كانوا مأمورين من جهة الله سبحانه بأن يثبت الجماعة منهم لعشرة أمثالهم.
وفي الخطيب حاصل هذه العبارة المطولة أن الواحد يثبت للعشرة فما الفائدة في العدول إلى تلك.
أجيب بأن هذا إيماء ورد على وفق الواقعة فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبعث السرايا، والغالب أن تلك السرايا ما كان ينقص عددها عن العشرين وما كانت تزيد على المائة، فلهذا المعنى ذكر الله هذين العددين.
(بأنهم قوم لا يفقهون) أي أن هذا الغلب بسبب جهلهم بالله وباليوم