الأخفش هما بمعنى واحد مثل البخل والبخل، والرشد والرشد، فهو صفة مشبهة لا مصدر، كما فهم من عبارة القاموس فسقط ما للكرخي هنا، والظاهر أن هذا القول الذي أمرهم الله به لا يختص بنوع معين بل كل ما صدق عليه إنه حسن شرعاً كان من جملة ما يصدق عليه هذا الأمر، وقد قيل إن ذلك هو كلمة التوحيد، وقيل الصدق، وقيل الأمر بالمعروف، وقيل هو اللين في القول والعشرة وحسن الخلق والنهي عن المنكر وقيل غير ذلك، قيل إن الخطاب للحاضرين من اليهود في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلهذا عدل عن الغيبة إلى الخطاب قاله ابن عباس، وقيل إن المخاطبين به هم الذين كانوا في زمن موسى عليه السلام، وإنما عدل من الغيبة إلى الخطاب على طريق الالتفات.
وتقدم تفسير قوله (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) وهو خطاب لبني إسرائيل فالمراد الصلاة التي كانوا يصلونها والزكاة التي كانوا يخرجونها قال ابن عطية وزكاتهم هي التي كانوا يضعونها فتنزل النار على ما يقبل ولا تنزل على ما لا يقبل.
والخطاب في قوله (وثم توليتم) قيل للحاضرين منهم في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنهم مثل سلفهم في ذلك، وفيها التفات من الغيبة إلى الخطاب أي أعرضتم عن العهد، ومن فوائد الالتفات تطرية الكلام وصيانة السمع عن الضجر والملال لما جبلت عليه النفوس من حب التنقلات والسآمة من الاستمرار على منوال واحد كما هو مقرر في محله، والإعراض والتولي بمعنى واحد وقيل التولي بالجسم والإعراض بالقلب (إلا قليلاً منكم) منصوب على الإستثناء وهو من أقام اليهودية على وجهها قبل النسخ ومن أسلم منهم كعبد الله بن سلام وأصحابه (وأنتم معرضون) كإعراض آبائكم، أمرهم الله تعالى بهذه التكاليف الثمانية لتكون لها المنزلة عنده بما التزموا به ثم أخبر عنهم أنهم ما وفوا بذلك.