(تفادوهم) أي بالمال وهو استنقاذهم بالشراء وقيل تبادلوهم وهو مفاداة الأسير، والفداء هو ما يؤخذ من الأسير ليفك به أسره، يقال فداه وفاداه أعطى فداءه وأنقذه (وهو) ضمير الشأن ويسمى ضمير القصة ولا يرجع إلا على ما بعده وفائدته الدلالة على تعظيم المخبر عنه وتفخيمه (محرم عليكم إخراجهم) قال المفسرون كان الله سبحانه قد أخذ على بني إسرائيل في التوراة أربعة عهود: ترك القتل وترك الإخراج وترك المظاهرة وفداء أسراهم فأعرضوا عن كل ما أمروا به إلا الفداء فوبخهم الله على ذلك بقوله:
(أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض) أي إن وجدتموهم في يد غيركم فديتموهم وأنتم تقتلونهم بأيديكم فكان إيمانهم الفداء وكفرهم قتل بعضهم بعضاً فذمهم على مناقضة أفعالهم لأنهم أتوا ببعض ما يوجب عليهم وتركوا البعض، وهذا هو مناط التوبيخ حسبما ما يفيده ترتيب النظم الكريم لأن من قضية الإيمان ببعضه الإيمان بالباقي لكون الكل من عند الله داخلاً في الميثاق (فما جزاء من يفعل ذلك منكم) يا معشر اليهود (إلا خزى في الحياة الدنيا).
الخزي الهوان والعذاب، وقد وقع هذا الجزاء الذي وعد الله به الملاعين اليهود موفراً فصاروا في خزي عظيم بما ألصق بهم من الذل والمهانة بالأسر والقتل وضرب الجزية والجلاء، فكان خزي بني قريظة القتل والسبي، وخزي بني النضير الإجلاء والنفي من منازلهم إلى أريحا وأذرعات من أرض الشام.
(ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب) يعني النار لأنهم جاؤا بذنب شديد ومعصية فظيعة، وهذا إخبار من الله سبحانه بأن اليهود لا يزالون في عذاب موفر لازم لهم بالجزية والصغار والذلة والمهانة (وما الله بغافل عما تعملون) فيه وعيد وتهديد عظيم.