وهذا البيت وإن كان فيه إطلاق الكساد على عدم وجود الخاطب لهن فليس فيه جواز إطلاق اسم التجارة عليهن، والمراد بالمساكن المنازل التي تعجبهم وتميل إليها أنفسهم ويرون الإقامة إليها أحب إليهم من المهاجرة إلى الله ورسوله ومن الجهاد في سبيله فقعدوا لأجل ما ذكر من الأمور الثمانية أو لأجل حبها والتعرض للصفات المذكورة للإيذان بأن اللوم على محبة ما ذكر من زينة الحياة الدنيا ليس لتناسي ما فيها من مبادئ المحبة وموجبات الرغبة فيها، وأنها مع ما لها من فنون المحاسن بمعزل من أن يؤثر حبها على حبه تعالى وحب رسوله صلى الله عليه وآله وسلم كما في قوله عز وجل:(ما غرك بربك الكريم) والمراد بالحب الاختياري دون الطبيعي وهو إيثارهم وتقديم طاعتهم لا ميل الطبع فإنه أمر جبلي لا يمكن تركه ولا يؤاخد عليه ولا يكلف الإنسان بالتحفظ عنه.
(فتربصوا) أي فانتظروا (حتى يأتي الله بأمره) فيكم وما تقتضيه مشيئته من عقوبتكم، وقيل المراد بأمر الله سبحانه القتال، وقيل فتح مكة وفيه بعد، فقد روي أن هذه السورة نزلت بعد الفتح، وقيل هو عقوبة عاجلة أو آجلة، وفي هذا وعيد شديد وتهديد لهم ويؤكده إبهام الأمر وعدم التصريح به لتذهب أنفسهم كل مذهب وتتردد بين أنواع العقوبات.
وإنما كان تهديداً لكوفهم آثروا لذات الدنيا على الآخرة، وهذا قل من يتخلص منه، ولذا قيل أنها أشد آية نعت على الناس كما فصله في الكشاف، وهذه الآية تدل على أنه إذا وقع التعارض بين مصلحة واحدة من مصالح الدين وبين مهمات الدنيا وجب ترجيح الدين على الدنيا ليبقى الدين سليماً (والله لا يهدي القوم الفاسقين) أي الخارجين عن طاعته النافرين عن امتثال أوامره ونواهيه.