للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإنه صالحهم قبل نزول فريضة الجزية ولم ينزل فرضها إلا في التاسعة من الهجرة.

واختلف الناس في أخذ الجزية ممن عدا من ذكرناه بعد الاتفاق على أخذها من أهل الكتابين والمجوس، فقالت الحنفية: تؤخذ أيضاً من عبدة الأوثان من العجم، ولا تؤخذ من عبدة الأوثان من العرب، واستدلوا بالحديث الذي أخرجه أحمد والترمذي عن ابن عباس مرفوعاً قال: " أريد منهم كلمة تدين لهم بها العرب وتؤدي الجزية بها إليهم العجم " (١) وذهب مالك وأبو يوسف إلى أنها تقبل الجزية من العربي الوثني مستدلين بحديث بريدة الذي أخرجه مسلم، وهو حديث طويل شريف فيه وصايا لأمراء السرايا، وفيه " إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال وفيه: فإن هم أبوا فسلهم الجزية فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم " فدل على أن الجزية تؤخذ من كل كافر (٢).

هذا ظاهر الحديث ولم يستثن منهم كافراً دون كافر، ولا يقال هذا خاص بأهل الكتاب فإن اللفظ يأبى اختصاصه بهم، وأيضاً سرايا رسول الله لمجيمّ وجيوشه أكثر ما كانت تقاتل عبدة الأوثان من العرب، فيؤخذ من عموم الكفار بالسنة، ومن أهل الكتاب بالقرآن، وقد أخذها صلى الله عليه وسلم من المجوس عباد النار. ولا فرق بينهم وبين عباد الأوثان.

فإن قيل إنه لم يأخذها من أحد من عباد الأوثان مع كثرة قتاله لهم، قلنا آية الجزية إنما نزلت عام تبوك في التاسعة بعد إسلام من كان في جزيرة العرب، ولم يبق بها أحد من عبَّاد الأوثان.

قال الحافظ بن القيم: والمسألة مبنية على حرف واحد، وهو أن الجزية هل وضعت عاصمة للدم أو مظهرة لصغار الكفر وإذلال أهله، والثاني راجح،


(١) الإمام أحمد ١/ ٢٢٧.
(٢) مسلم ١٧٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>