عليه وسلم وعبر عن أخذ الأموال بالأكل لأن المقصود الأعظم من جمع المال الأكل، فسمى الشيء باسم ما هو أعظم مقاصده، والباطل كتب كتبوها لم ينزلها الله فأكلوا بها أموال الناس، وذلك قوله تعالى:(فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله).
وقيل المعنى أنهم يأخذونها بالوجوه الباطلة كالرشوة في تخفيف الأحكام والمسامحة في الشرائع، وقيل أنهم كانوا يدعون عند العوام والحشرات أنه لا سبيل لأحد إلى الفوز بمرضاة الله تعالى إلا بخدمتهم وطاعتهم وبذل الأموال في طلب مرضاتهم، والعوام كانوا يغترون بتلك الأكاذيب.
وقيل التوراة كانت مشتملة على آيات دالة على مبعث محمد صلى الله عليه وسلم فكانوا يذكرون في تأويلها وجوهاً فاسدة ويحملونها على محامل باطلة وكانوا يأخذون الرشوة، وقيل كانوا يقررون عند عوامهم أن الدين الحق هو الذي هم عليه، فإذا قرروا ذلك قالوا وتقوية الدين الحق واجبة، ثم قالوا ولا طريق إلى تقويته إلا إذا كان أولئك الفقهاء أصحاب الأموال الكثيرة والجمع العظيم، فبهذا الطريق يحملون العوام عَلى أن يبذلوا في خدمتهم نفوسهم وأموالهم، فهذا هو الباطل الذي كانوا به يأكلون أموال الناس.
قال الرازي: وهي بأسرها حاضرة في زماننا وهو الطريق لأكثر الجهال والمزورين إلى أخذ أموال العوام والحمقى من الخلق، انتهى.
ولقد اقتدى بهؤلاء الأحبار والرهبان من علماء الإسلام ومشايخه من لا يأتي عليه الحصر في كل زمان، قال الرازي: ولعمري من تأمل في أحوال أهل الناموس والتزوير في زماننا وجد هذه الآيات كأنها ما أنزلت إلا في شأنهم، وفي شرح أحوالهم، فترى الواحد منهم يدعي أنه لا يلتفت إلى الدنيا ولا يتعلق خاطره بجميع المخلوقات، وأنه في الطهارة والعصمة مثل الملائكة المقربين حتى إذا آل الأمر إلى الرغيف الواحد تراه يتهالك عليه ويتحمل نهاية الذل والدناءة في تحصيله انتهى، ولنعم ما قيل: