متوسط بين الإفراط والتفريط فهو قاصد (لاتَّبعوك) أي لوافقوك في الخروج ولخرجوا معك طمعاً في تلك المنافع التي تحصل لهم (ولكن بعدت عليهم الشقة) قال أبو عبيدة وغيره: إن الشقة السفر إلى أرض بعيدة، يقال منه شقة وشاقة، والشقة المسافة التي تقطع بمشقة. قال الجوهري: الشقة بالضم من الثياب والشقة أيضاً السفر البعيد، وربما قالوه بالكسر فهي مشتقة من المشقة كما في السمين، والمراد بها غزوة تبوك فإنها كانت سفرة بعيدة شاقة وكانوا يستعظمون غزو الروم، لا جرم تخلفوا بهذا السبب.
(وسيحلفون) أي المتخلفون عن غزوة تبوك، وأتى بالسين لأنه من قبيل الإخبار بالغيب فإن الله أنزل هذه الآية قبل رجوعه من تبوك أي سيحلفون (بالله) اعتذاراً عنه حال كونهم قائلين (لو استطعنا) أي لو قدرنا على الخروج ووجدنا ما نحتاج إليه فيه مما لا بد منه، وقيل: لو كان لنا استطاعة من جهة العدة أو من جهة الصحة أو من جهتهما حسبما عنَّ لهم من الكذب والتعلل وعلى كلا التقديرين فقوله: (لخرجنا معكم) ساد مسد جوابي القسم والشرط جميعاً وقد وقع حسبما أخبر به وهو من جملة المعجزات الباهرة.
وقوله:(يهلكون أنفسهم) بدل من قوله: (سيحلفون) لأن من حلف كذباً فقد أهلك نفسه، ولذا قال صلى الله عليه وسلم:" اليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع " أو يكون حالاً أي مهلكين أنفسهم موقعين لها موقع الهلاك بسبب هذه الأيمان الكاذبة (والله يعلم إنهم لكاذبون) في حلفهم الذي سيحلفون به لك لأنهم كانوا مستطيعين للخروج.