والمعنى على الأول لسعوا بينكم بالإفساد بما يختلقونه من الأكاذيب المشتملة على الأرجاف والنمائم الموجبة لفساد ذوات البين، وعلى الثاني أسرعوا ركائبكم بينكم بالنميمة، وفيه استعارة تخييلية ومكنية، وقيل إنه استعارة تبعية شبه سرعة إفسادهم لذات البين بالنميمة بسرعة سير الركائب المسماة بالإيضاع وهو إسراع سير البعير، ثم استعير لسرعة الإفساد لفظ الإيضاع وهو للإبل ثم اشتق منه أوضعوا وأصل الاستعارة ولأوضعوا ركائب نمائمهم خلالكم، ثم حذف النمائم وأقيم المضاف إليه مقامها لدلالة سياق الكلام على أن المراد النميمة ثم حذف الركائب، قاله الطيبي كما ذكره زكريا.
(يبغونكم) يقال بغيته كذا طلبته له وأبغيته كذا أعنته على طلبه، والمعنى يطلبون لكم (الفتنة) أي ما يفتنون به في ذات بينكم بما يصنعونه من التحريش والإفساد، وقولهم للمؤمنين لقد جمعوا لكم كذا وكذا ولا طاقة لكم بهم وإنكم ستهزمون منهم وسيظهرون عليكم، ونحو ذلك من الأحاديث الكاذبة التي تورث الجبن والفشل، وقيل الفتنة العيب والشر، وقيل الفتنة هنا الشرك.
(وفيكم سماعون لهم) أي والحال أن فيكم من يستمع ما يقولونه من الكذب فينقله إليكم، فيتأثر من ذلك الاختلاف بينكم والفساد لأحوالكم، قال مجاهد: معناه محدثون لهم بأحاديثكم غير منافقين وهم عيون للمنافقين. انتهى. فعلى هذا يكون المراد فيكم جواسيس منهم يسمعون لهم الأخبار منكم فاللام على الأول للتقوية، وعلى الثاني للتعليل أي لأجلهم (والله عليم بالظالمين) وبما يحدث منهم لو خرجوا معكم فلذلك اقتضت حكمته البالغة أن لا يخرجوا معكم وكره انبعاثهم معكم.
ولا ينافي حالهم هذا لو خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تقدم من عتابه على الإذن لهم في التخلف، لأنه سارع إلى الإذن لهم ولم يكن