وقد قيل ما فائدة ذكر الاستمتاع بالخلاق في حق الأولين مرة ثم ذكره في حق المنافقين ثانياً ثم تكريره في حق الأولين ثالثاً، وأجيب بأنه تعالى ذم الأولين بالاستمتاع بما أوتوا من حظوظ الدنيا وشهواتها ورضائهم بها وحرمانهم من سعادة الآخرة بسبب استغراقهم في تلك الحظوظ الفانية، فلما قرر تعالى هذا عاد فشبه حال المنافقين بحالهم، فيكون ذلك نهاية في المبالغة في ذم المخاطبين وتقبيح حالهم. ولم يسلك هذه الطريقة في التشبيه الثاني وهو قوله خضتم حيث لم يقل وخاضوا وخضتم كخوضهم اكتفاء بالتمهيد الأول فاستغنى عن ذكر التمهيد في التشبيه الثاني.
قال ابن عباس: ما أشبه الليلة بالبارحة، هؤلاء بنو إسرائيل أشبهناهم والذي نفسي بيده لتتبعنهم حتى لو دخل رجل جحر ضب لدخلتموه.
(وخضتم) في الباطل وتلبستم به (كالذي خاضوا) أي خوضاً كخوضهم أو كالذين خاضوا، أو كالفوج الذي خاضوا، أو كالخوض الذي خاضوه، يقال: خضت الماء أخوضه خوضاً وخياضاً والموضع مخاضة، وهو ما جاز الناس فيه مشاة وركباناً وجمعها المخاض والمخاوض، ويقال منه خاض القوم في الحديث، والمعنى خضتم في أسباب الدنيا واللهو واللعب، وقيل في أمر محمد صلى الله عليه وسلم بالتكذيب، ودخلتم في ذلك.
(أولئك) إشارة إلى كل من المشبهين والمشبه بهم فهي لمجموع الفريقين (حبطت) بطلت (أعمالهم) أي ما عملوه مما هو في صورة طاعة لا هذه الأعمال المذكورة هنا فإنها من المعاصي وعاقبتها غنية عن البيان (في الدنيا والآخرة) أي إنها باطلة على كل حال، أما بطلانها في الدنيا فلأن ما يترتب على أعمالهم فيها من السعة والصحة وغير ذلك لا يحصل لهم بل يصير ما يرجونه من الغنى فقراً، ومن العز ذلاً ومن القوة ضعفاً، وأما في الآخرة فلأنهم يصيرون إلى عذاب النار، ولا ينتفعون بشيء مما عملوه من الأعمال التي يظنونها طاعة وقربة.