وقيل إن هذه الآية نزلت في عبد الله بن أبيّ رأس المنافقين لما قال ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل سمّن كلبك يأكلك، لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فجاء عبد الله بن أبيّ فحلف أنه لم يقله.
وقيل أنه قول جميع المنافقين، وإن الآية نزلت فيهم، وعلى تقدير أن القائل واحد أو اثنان فنسبة القول إلى جميعهم هي باعتبار موافقة من لم يقل ولم يحلف من المنافقين لمن قد قال وحلف، وفي الباب أحاديث مختلفة في سبب نزول هذه الآية وفيما ذكرناه كفاية.
ثم رد الله على المنافقين وكذبهم وبين أنهم حلفوا كذباً فقال:(ولقد قالوا كلمة الكفر) وهي ما تقدم بيانه على اختلاف الأقوال السابقة (وكفروا بعد إسلامهم) أي كفروا بهذه الكلمة بعد إظهارهم الإسلام وإن كانوا كفاراً في الباطن، والمعنى أنهم فعلوا ما يوجب كفرهم على تقدير صحة إسلامهم.
(وهموا بما لم ينالوا) قيل هو همهم بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة في غزوة تبوك وهم بضعة عشر رجلاً فضرب عمار بن ياسر، وفي قول حذيفة بن اليمان وجوه الرواحل لما غشوه فرجعوا، والقصة مبسوطة في سيرة الحلبي وغيرها، وقيل هموا بعقد التاج على رأس عبد الله بن أبيَّ، وقيل هو همَّ الجلاس بقتل من سمعه يقول تلك المقالة فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
(وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله) أي ما عابوا وأنكروا وكرهوا إلا ما هو حقيق بالمدح والثناء، وهو إغناء الله لهم من فضله، والاستثناء مفرغ من أعم العام فهو من تأكيد المدح بما يشبه الذم، وقد كان هؤلاء المنافقون في ضيق من العيش فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة اتسعت معيشتهم وكثرت أموالهم، فجعلوا موضع شكر النبي صلى الله عليه