كانوا يعلمون أن هذا غير مراد لله عز وجل بل مراده بالأمر بالسماع الأمر بالطاعة والقبول لم يقتصروا على هذه المغالطة بل ضموا إلى ذلك ما هو الجواب عندهم فقالوا وعصينا.
(وأشربوا في قلوبهم العجل) أي تداخل حبه في قلوبهم ورسخ فيها صورته لفرط شغفهم به وحرصهم على عبادته كما يتداخل الصبغ الثوب، والشراب أعماق البدن، وفيه تشبيه بليغ أي جعلت قلوبهم لتمكن حب العجل منها كأنها تشربه، وإنما عبر عن حب العجل بالشرب دون الأكل لأن شرب الماء يتغلغل في الأعضاء حتى يصل إلى باطنها، والطعام يتجاوزها ولا يتغلغل فيها، قال أبو السعود (في قلوبهم) بيان لمكان الإشراب كما في قوله تعالى (إنما يأكلون في بطونهم ناراً) والجملة حال من ضمير قالوا بتقدير " قد " انتهى.
قيل أن موسى أمر أن يبرد العجل ويذرى في النهر وأمرهم أن يشربوا منه فمن بقي في قلبه شيء من حب العجل ظهر سحالة الذهب على شاربه وما أبعده، والإشراب مخالطة المائع للجامد ثم اتسع فيه حتى قيل في الألوان نحو اشرب بياضه حمرة.
(بكفرهم) الباء للسببية أي بسبب كفرهم السابق الموجب لذلك، قيل كانوا مجسمة أو حلولية ولم يروا جسماً أعجب منه فتمكن في قلوبهم ما سول لهم السامري (قل بئسما يأمركم به إيمانكم) الذي زعمتم أنكم تؤمنون بما أنزل عليكم وتكفرون بما وراءه، فإن هذا الصنع وهو في قولكم سمعنا وعصينا في جواب ما أمرتم به في كتابكم وأخذ عليكم الميثاق به مناد عليكم بأبلغ نداء بخلاف ما زعمتم، وكذلك ما وقع منكم من عبادة العجل ونزول حبه من قلوبكم منزلة الشراب هو من أعظم ما يدل على أنكم كاذبون في قولكم نؤمن بما أنزل علينا لا صادقون، فإن زعمتم إن كتابكم الذي آمنتم به أمركم بهذا فبئس ما يأمركم به إيمانكم بكتابكم، وفي هذا من التهكم ما لا يخفى (إن كنتم مؤمنين) بزعمكم، والمعنى لستم بمؤمنين لأن الإيمان لا يأمر بعبادة العجل والمراد آباؤهم أي فكذلك لستم بمؤمنين بالتوراة وقد كذبتم محمداً والإيمان بها لا يأمر بتكذيبه.