واجب عليهم أن يكابدوا معه المشاق ويجاهدوا بين يديه أهل الشقاء، ويبذلوا أنفسهم دون نفسه بأن يصحبوه على البأساء والضراء علما بأنها أعز نفس عند الله وأكرمها عليه، فإذا تعرضت مع عزتها وكرامتها للخوض في شدة وهول، وجب على سائر الأنفس أن تتهافت فيما تعرضت له ولا يكترث بها أصحابها ولا يقيموا لها وزناً وتكون أخف شيء عليهم وأهونه.
وفي هذا الإخبار معنى الأمر لهم مع ما يفيده إيراده على هذه الصيغة من التوبيخ لهم والتقريع الشديد والتهييج لهم والإزراء عليهم.
والإشارة بقوله:(ذلك) إلى ما يفيده السياق من وجوب المتابعة لرسول الله صل الله عليه وسلم أي ذلك الوجوب (بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة) أي بسبب أنهم مثابون على أنواع المتاعب وأصناف الشدائد، والظمأ العطش والنصب التعب، والمخمصة الجاعة الشديدة التي يظهر عندها ضمور البطن، وتوسيط كلمة لا هاهنا للدلالة على استقلال كل واحد منها بالفضيلة والاعتداد به.
ومعنى (في سبيل الله) في طاعة الله (ولا يطأون موطئاً يغيظ) بفتح الياء باتفاق السبعة وإن كان يجوز لغة ضمها إذ يقال لغة غاظه وأغاظه بمعنى واحد، أي يغضب والكفار أي لا يدوسون مكاناً من أمكنة الكفار بأقدامهم، أو بحوافر خيولهم أو بأخفاف رواحلهم، فيحصل بسبب ذلك الغيظ والغم والحزن للكفار، والمَوْطِئ اسم مكان ويجوز أن يكون مصدراً، وفيه أن المدد يشارك الجيش في الغنيمة بعد انقضاء الحرب لأن وطء ديارهم مما يغيظهم.
(ولا ينالون) أي لا يصيون (من عدو نيلاً) أي قتلاً وأسراً أو هزيمة أو غنيمة وأصله من نلت الشيء أنال أي أصبت، قال الكسائي: هو من قولهم أمر منيل منه، وليس هو من التناول إنما التناول من نلته بالعطية، قال