بعض) آخر وتغامز بالعيون إنكاراً لها أو سخرية أو غيظاً لما فيها من عيوبهم.
وحكى ابن جرير عن بعض أهل العلم أنه قال:(نظر) في هذه الآية موضوع موضع قال أي قال بعضهم لبعض (هل يراكم من أحد) من المؤمنين لننصرف عن المقام الذي ينزل فيه الوحي فإنه لا صبر لنا على استماعه أو لنتكلم بما بزيد من الطعن والسخرية والضحك، وقيل المعنى وإذا أنزلت سورة ذكر الله فيها فضائح المنافقين ومخازيهم قال بعض من يحضر مجلس النبي صلى الله عليه وآله وسلم للبعض الآخر منهم هل يراكم من أحد.
(ثم انصرفوا) إلى منازلهم عن ذلك المجلس أو عما يقتضي الهداية والإيمان إلى ما يقتضي الكفر والنفاق، والتراخي باعتبار وجدان الفرصة والوقوف على عدم رؤية أحد من المؤمنين.
ثم دعا الله سبحانه عليهم فقال:(صرف الله قلوبهم) وعن الخير وما فيه الرشد لهم والهداية وهو سبحانه مصرف القلوب ومقلبها، وقيل المعنى إنه خذلهم عن قبول الهداية، قال الزجاج: أضلهم الله مجازاة على فعلهم، وقيل هو دعاء لا يراد به وقوع مضمونه كقولهم قاتله الله، وقيل إخبار بحالهم.
ثم ذكر سبحانه السبب الذي لأجله انصرفوا عن مواطن الهداية أو السبب الذي لأجله استحقوا الدعاء عليهم بقوله صرف الله قلوبهم فقال:(بأنهم قوم لا يفقهون) ما يسمعونه لعدم تدبرهم وإنصافهم.
عن ابن عباس: لا تقولوا انصرفنا من الصلاة فإن قوماً انصرفوا فصرف الله قلوبهم ولكن قولوا قضينا الصلاة، وعن ابن عمر نحوه.
وأقول الانصراف يكون عن الخير كما يكون عن الشر وليس في إطلاقه هنا على رجوع المنافقين عن مجلس الخير ما يدل على أنه لا يطلق إلا على نحو ذلك، والإلزم أن كل لفظ يستعمل في لغة العرب في الأمور المتعددة إذا استعمل في القرآن في حكاية ما وقع من الكفار لا يجوز استعماله في حكاية ما وقع عن أهل الخير كالرجوع والذهاب والدخول والخروج والقيام والقعود، واللازم باطل بالإجماع فالملزوم مثله ووجه الملازمة ظاهر لا يخفى.