الحاجة فوجب أن يبقى بعد خلق العرش غنياً عنه، ولكن لما قال هو سبحانه وتعالى باستوائه عليه وجب الإيمان به على ما يليق لجلاله.
ثم ذكر ما يدل على مزيد قدرته وعظيم شأنه مع ما مر من خلق هاتيك الأجرام العظام فقال (يدبر الأمر) وترك العاطف لأن جملة يدبر كالتفسير والتفصيل لما قبلها، وأصل التدبير النظر في أدبار الأمور وعواقبها لتقع على الوجه المقبول والشكل المحمود، وقال مجاهد: يقضيه ويقدره وحده على الوجه الأتم الأكمل، وقيل يبعث الأمر، وقيل ينزل الأمر، وقيل يأمر به ويمضيه، والمعنى متقارب؛ واشتقاقه من الدبر، والأمر الشأن وهو أحوال ملكوت السموات والأرض والعرش وسائر الخلق من الجزئيات الحادثة شيئاً فشيئاً على أطوار شتى لا تكاد تحصى.
(ما من شفيع) يشفع عنده يوم القيامة (إلا من بعد إذنه) له في الشفاعة لأنه عالم بمصالح عباده في تدبيرهم فلا يجوز لأحد أن يسأله ما ليس له به علم، قال الزجاج: إن الكفار الذين خوطبوا بهذه الآية كانوا يقولون أن الأصنام شفعاؤنا عند الله، فرد الله عليهم بأنه ليس لأحد أن يشفع إليه في شيء إلا بعد إذنه لأنه أعلم بموضع الحكمة والصواب، وله التصرف المطلق في العالم، وقد تقدم معنى الشفاعة في البقرة، وفي هذا بيان لاستبداده بالأمور في كل شيء سبحانه وتعالى.
(ذلكم) أي فاعل هذه الأشياء العظيمة من الخلق والتدبير (الله ربكم) أي سيدكم لا رب لكم سواه، وفي هذه الجملة زيادة تأكيد لقوله