والمراد بالأمس الوقت القريب والزمن الماضي لا خصوص اليوم الذي قبل يومك، قاله الكرخي، والمغاني في اللغة المنازل، وقال قتادة: كأن لم ينعم، وقرأ " لم يَغْنَ " بالتحتية بإرجاع الضمير إلى الزخرف، قرأ من عده " تغن " بالفوقية بإرجاع الضمير إلى الأرض.
(كذلك) أي مثل ذلك التفصيل البديع (نفصل الآيات) القرآنية التي من جملتها هذه الآية المنبهة على أحوال الدنيا، ويجوز أن يراد الآيات التكوينية (لقوم يتفكرون) فيما اشتملت عليه، عن أبي مجلز قال: كان مكتوباً في سورة يونس إلى جنب هذه الآية (ولو أن لابن آدم واديين من مال لتمنى ثالثاً ولا يشبع نفس ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب) فمحيت.
قال النسفي في الآية: هذا من التشبيه المركب، شبهت حال الدنيا في سرعة تقضيها وانقراض نعيمها بعد الإقبال بحال نبات الأرض في جفافه، وذهابه حطاماً بعد ما التف وتكاثف وزين الأرض بخضرته ورفيفه، والتنبيه على حكمة التشبيه أن الحياة صفوها شبيبتها وكدرها شيبتها، كما أن صفو الماء في أعلى الإناء:
ألم تر أن العمر كأس سلافة ... فأوله صفو وآخره كدر
وحقيقته تزيين جثة الطين بمصالح الدنيا والدين كاختلاط النبات على اختلاف التلوين، فالطينة الطيبة تنبت بساتين الأنس ورياحين الروح وزهرة الزهد وكروم الكرم، وحبوب الحب، وحدائق الحقيقة وشقائق الطريقة.
والخبيثة تخرج خلاف الخلف؛ وثمام الإثم وشوك الشرك، وشيح الشح وحطب العطب ولعاع اللعب.
ثم يدعوه معاده، كما يحين للحرث حصاده، فتزايله الحياة مغتراً كما يهيج